كتابي حضارة العرب لجوستاف لوبون وحضارة الإسلام لجوستاف إ.فون جرونيباوم || دراسة نقدية
أهمية الدراسة.
فى الوقت الذي نعيش فيه ثورة العولمة والتطور
العلمى والثقافى والإجتماعى والإقتصادى والسياسى المتسارع، تبرز أهمية إخضاع كتب
المستشرقين إلى النقد والتحليل والمقارنة بعضها ببعض بإستخدام المنهج العلمى
المنظم بهدف الوقوف على مالديهم من علوم وشبهات، ولمعرفة كيف ينظرون للمشرق،
وأيضًا لمعرفة ما لدينا من علوم بها نقاط قوة ونقاط ضعف نستطيع من خلال مدارستنا
لكتب المستشرقين أن نعزز جوانب القوة ومعالجة نقاط الضعف، بهذا الفكر تنهض الدول
إن كانت نامية، وتظل فى القمة إن كانت متقدمة.
تعريف الإستشراق.
الإستشراق فى اللغة مأخوذة من (شَرَقَ) يُقال
شرقت الشمس أى طلعت[1].
وأُطلق لفظ الإستشراق اليوم على أفرد توجهوا
بدراستهم نحو المشرق لأسباب مختلفة منها الحميد ومنها الخبيث. "...فهو يطلق
على كل ما يبحث فى أمور الشرقيين وثقافتهم وتاريخهم. ويقصد به ذلك التيار الفكرى
الذى يتمثل فى إجراء الدراسات المختلفة عن الشرق الإسلامى، والتى تشمل حضارته
واديانه وآدابه ولغاته وثقافته...[2]".
أولًا: كتاب حضارة الإسلام لـ/ جوستاف إ. فون جرونيباوم.
التعريف بالمؤلف.
هو "GOSTAVE. VON GRUNEBAM" مشهور بالعربية بإسم
جرونبوم وبه اشتهر. "ولد فى فيينا أول سبتمبر 1909. وتعلم فى مدارس فيينا وفى
جامعتها، ثم فى جامعة برلين"[3].
ويقول الدكتور مصطفى السباعى فى حديثة عن
المستشرقين أن جرونبوم من أخطر المستشرقين الذى تعمدوا الإساءة للإسلام ورسوله
وقيمه وتعاليمه وإن هذا المستشرق "من أصل ألمانى يهودى مستورد إلى أمريكا
للتدريس بجامعاتها وكان أستاذًا بجامعة شيكاغو، من ألد أعداء الإسلام. فى جميع
كتاباته تخبط وأعتداء على القيم الإسلامية والمسلمين، كثير الكتابة وله معجبون من
المستشرقين[4]".
هاجر هذا المستشرق إلى الولايات المتحدة
الأمريكية "لما قامت ألمانيا فى مارس 1938 بضم النمسا إليها"[5].
كان جرونبوم من أسرة يهودية، وكان هو معتنق
للنصرانية مذهب الكاثوليك، وذلك بإتفاق المراجع التى وصلت إليها، كما أنه حصل على
الجنسية الأمريكية واشتغل بالتدريس فى جامعاتها مثل جامعة نيويورك 1938، ثم جامعة
شيكاغو 1943، وصار رئيسًا لقسم الدراسات الشرقية بجامعة كاليفورنيا بلوس أنجلوس
واستمر بهذا المنصب إلى وفاته فى شهر فبراير 1972.
تمييز جرونبوم بإنتاجه الغزير فقد ترك الكثير
من المؤلفات والدراسات، مابين رسائل وكتب ومقالات متفرقة، كما أنه فى بداياته أهتم
بالشعر العربى وفي هذا المجال حصل على درجة الدكتوراة وكانت رسالته بعنوان:
"مدى الواقع فى الشعر العربى الأول" بعدها توالت مؤلفاته فى نفس الموضوع
والمجال وذكر منها البدوى فى كتابه أسماء سبعة أبحاث فى هذا المجال، ثم أفرد
مؤلفات عدّه فى موضوع الحضارة الإسلامية والتلاقي بينها وبين المجتمع الأوروبى
وذكر منها السباعى ستة كتب، بالإضافة إلى الندوات والمقالات المتفرقة فى المجلات
وغيرها، وقد ورد إسم جرونبوم فى جميع الكتب التى تتناول دراسة الإستشراق وجاء تحت
عنوان أخطر المستشرقين وأكثرهم عداءاً للإسلام.
من مؤلفاته فى مجال الحضارة – إسلام العصور
الوسطى الذى صدر 1946، الأعياد المحمدية 1951، محاولات شرح الإسلام المعاصر 1947،
دراسات فى تاريخ الثقافة الإسلامية 1954، وكتاب الإسلام وهو عبارة عن مجموعة مقالات
متفرقة وصدر عام 1957، الوحدة والتنوع فى الحضارة الإسلامية 1955.
زار المؤلف الشرق الأوسط عدد من المرات:
1936، 1948، 1925، 1954 وترقى بعدد من المناصب كلها متعلقة بالعالم الإسلامى، مثل
رئيس مؤتمر علماء البحوث الإسلامية الذى عقد بالنمسا ... إلخ[6].
الهدف من الكتاب.
يقول المؤلف أن هذا الكتاب "يهدف إلى
الإحاطة المجملة بالإتجاه الثقافى للعصور الإسلامية الوسطى، مع قصر الإهتمام على
الإسلام فى بلاد المشرق. ويحاول الكتاب أن يصور رأى مسلم العصور الوسطى فى نفسه
وفى عالمه دى التحديد الخاص، وأن يبين الإتجاهات الأساسية العقلية والعاطفية، التى
كانت تتحكم فى أعماله، ...[7]".
محتوي الكتاب.
ينقسم الكتاب لـ9 فصول بعناوين (الإسلام في
العالم الوسيط - نزعة الزمان، الإسلام في العالم الوسيط - المسيحية والإسلام، الأساس
الديني – الوحي، الأساس الديني – التقوى، الكيان السياسي - القانون والدولة، الكيان السياسي - النظام الإجتماعي، الإنسان الكامل، التعبير عن الذات - الأدب والتاريخ، النقل الخلاق - يونان في ألف ليلة وليلة).
في نهاية الكتاب مجموعة من التعقيبات للمترجم
عبدالعزيز توفيق يرد فيها على بعض الشبهات التى وردت فى الكتاب سواء من المؤلف أو
من الذين نقل عنهم، وتلك التعقيبات موجزة بقدر الإمكان ويتضح فيها ثقافة المترجم
العامة مع عدم تخصصه[8]،
وهذه التعقيبات والتى عددها 60 تعقيبًا كانت بسبب عدم إيمان المؤلف بالدين
الإسلامى مما أدّى لإختلاف وجهه نظرة واختلاف تفسيرة لكثير من الأمور المتعلقة
بالتشريع الإسلامى وبالرسول صلى الله عليه وسلم.
نظرة سريعة فى الأفكار العامة.
كسائر الكتب بدأ المؤلف بالحديث عن حضارة
العرب قبل وبعد بعثة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ليقف على ماأحدثه الدين من
تطور وتغيير فى هذا المجتمع ومِن ثَم بناء دولة قوية وحضارة نافست حضارتى الفرس
والروم.
يتمتع المؤلف فى هذا الكتاب بحيادية واضحة
حيث يشير إلى مميزات وعيوب حقيقية له الحق فى الإعتراض عليها ووضع علامات
الإستفهام حوالها، كذلك فى رد الشبهات من الذين تمتعوا بالعصبية والهمجية فى
الهجوم على الإسلام وقوله على شبهاتهم أنها نابعه من حقد لهم، أو عندما يجد شبهه
ليس لها سند تاريخي كان يصرّح بذلك وبالتالى تكون الشبهه لا أساس لها من الصحة.
تحدث المؤلف عن مصادر التشريع الإسلامى
لاسيما المصدر الرابع (القياس) حيث أن المؤلف يرى المؤلف أن الله جل جلاله كان هو
مصدر التشريع الوحيد فى بداية الدعوة وكانت أوامره قاطعة "فكل أمر صادر عنه
يحمل طابعًا واحدًا من الإلزام والإجبار"[9]،
وأن الله كان يجرى تغييرات على هذه الأوامر ويستبدلها بما هو خير منها (يقصد
النسخ) فلما انتقل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى جوار ربه انتهت تلك الوسيلة التى
يتغير بيها الحكم، لذا كان لابد من تنظيم النصوص الصريحة من القرآن وهى نصوص
محدودة وأقل بكثير من عدد النصوص فى المصدر الثانى وهو السنة.
قال المؤلف ان ثمّة خلافات بين نصوص المصدرين
الأول والثانى ولكنها خلافات ظاهرية من السهل حلها والتوفيق بينهما بواسطة البراعة
وحسن التصرف، ومع مرور الزمن واستمرار الأحداث وعزوف الفقهاء عن المساهمة فى
الحكومة الرسمية واكتفائهم بتوجيه النصح للحكام إلتماسًا للسلامة والنجاة من عذان
الآخرة اتسعت الثغرة بين ما هو مثالى (يقصد نموذج الدولة فى عهد الرسول) وما هو
واقعى وبين القانون المقدس وقرارات الهيئة التنفيذية التى تحتال لإيجاد المخارج؛
وبذلك أصبحت حكومة الله (يقصد الدولة التى قانونها القرآن ومُشَرِّعُها الله)
وحكومة السلطان (الحكومات السياسية التى تشرع قوانين تعسفية لمواكبة ما يحدث من
تغييرات) متباعدتان منفصلتان.
كان من غير المنطقى -عند المؤلف- القول بأن
القرآن يحتوى على كل شيء لأن فى ذلك تمطيط للطاقة التأويلية. ومن هنا جائت المشكلة
لأن القول بوجود مصدر آخر للتشريع هو تسيلم بأن حياة الفرد لا تستقيم بشرع الله
وحده، وبسبب ذلك كان الصراع الحاد بين المذاهب الفقهية حول معضلة "مصادر
التشريع الإضافية" وظل الاختلاف والصراع قائم حتى اتفق الحكام والقضاة وأئمة
الفقة على استعمال القياس كمصدر من مصادر التشريع وذلك لحل المشكلة التى سببها
استعمال الرأى ذلك لما للقياس من قيود تحجّم استعماله فنستطيع ضبطة عن الرأى.
كانت "حكومة الله" صحيحة ولها سند
شرعى ولكنها غير واقعية (لا تطبق بحذافيرها)، و"حكومة السلطان" الواقعية
والتى تحكم المسلمين ليس لها سند شرعى، وقد اتهم الكاتب
هنا القرآن والإسلام لإهمالهم عامل التغيير الذى أخضع الله له مخلوقاته.
وصف الكاتب بأن الشريعة تحد من حرية الإنسان
ولكنها حدود فى صالحه، لأن الحرية المطلقة تؤدى بالإنسان إلى الهلاك، وهذه الحدود
هى الشريعة وأنها ليس لها حد تحكمى ولكن تختلف حسب المنفعة والمصلحه التى تعود على
الفرد أو الجماعة.
أسهب المؤرخ فى الحديث عن الأدب وتطورة وذكر
فيه علم الحديث وطرق التخريج والتوثيق واستغلال البعض علم الحديث لمصالح شخصية
وأظهر نوعًا من التقبل لصحيح البخارى من حيث المنهج والتوثيق، ويرجع هذا الإطناب -فى
اعتقادى- إلى تخصص الكاتب فى هذا العلم فقد سبق وأن أشرت فى تعريف الكاتب ان الأدب
والشعر فى المشرق هما مجال تخصص الكاتب وفيهما كانت دراستة وهما موضوعة الذى حصل
به على رسالة الدكتوراة.
نقد الكاتب "النظام الطبقى" الذى
حدث بعد وفاة الخليفة أبو بكر، وأقر أن الإسلام يساوى بين الجميع وأنه لا فرق بين
عربي ولا أعجمى إلا بالتقوى، ومع ذلك فقد جاء الخليفة عمر بن الخطاب وقرر تقسيم
الناس طبقات متفاوت وجعل المعيار هو القرابة من الرسول والأسبقية فى الإسلام،
وبناء على هذا التقسيم رضىالناس بتقسيمات أخرى فى أزمنه وعصور أخرى.
شرح الكاتب فى حديثة عن النظام الإجتماعى حب
المجتمع المتمثل فى حكامة للأدب والتاريخ والثقافة، وتوقير الحكام لأهل العلم وإغداقهم
عليهم، ثم ذكر موقف إسحق الموصلى الذي برع فى الموسيقي ثم سأل الخليفة المأمون أن
يتكرم عليه ويجعل دخوله مع أهل العلم والرواة والأدب لا مع المغنيين فأذن له ثم
سأله أن يدخله مع القضاة والفقهاء فوافق المأمون وقول المأمون فى حقة "لولا
ما سبق على ألسنة الناس واشتهر به عندهم من الغناء لوليته القضاء، فما أعرف مثله
ثقة وصدقا وعفة وفقها"[10].
مميزات الكتاب.
يمتاز الكتاب بنظرة حيادية إلى حدٍ ما يحتاج
لها الكثير من المؤلفين المسلمين اليوم، فالكاتب ينقل من المصادر الإسلامية وذلك
لما فيها من معلومات أكثر من من الكتب الأخرى فكما نحن اليوم عند البحث فى موضوع
محدد نرجع للمصادر والمؤلفين المعايشين للحدث فهذا ما فعله المؤلف.
سهولة ألفاظ الكتاب ومعانية فهو بعيد عن
المصطلحات الثقيلة على القارئ، مليء بالأمثلة التى تقرب المعنى وتوضحة، وقد يرجع
الفضل فى ذلك أيضًا للمترجم الذى ساهم فى تبسيط المعانى والتنبية على المخالفات
وإشارته البسيطة للكلام الصحيح عن طريق التعقيبات.
التفاصيل الدقيقة التى يتمتع بها الكتاب تجعل
القارىء واقفًا على الحدث من جميع نواحية وظهر ذلك فى ذكر الخلافات وتفصيلها،
والآراء الخاصة بالعلماء والأئمة واختلاف آرائهم فى قضايا معينة.
اعترافه بالحضارة والعلم والتطور والثقافة
التى تمتع بهم المجتمع الإسلامى، وأورد أسباب ذلك، ورد شبهات من يقول غير ذلك
بإحالتها للواقع التاريخي الذى يكذبها، أو بوصفة الكلام نابع عن كراهية للإسلام
ورسولة وأتباعة.
شمول البحث لجميع جوانب الحضارة وتفاصيلها من
السياسة والقوانين وما فيها من مميزات وما طرأ عليها من تغيير وخلاف، ثم الحياة
الإجتماعية وما فيها من طبقات وألقاب وثقافة وعلماء وعمرانٍ وبناء، واقاء الضوء
على دور المرأة، والكلام عن الأدب والتاريخ والفنون.
عيوب الكتاب.
إنه من الصعب جدًا أن يستخرج طالب مثلى عيوب
فى كتاب مؤلف من دكتور كبير كغوستاف إ.فون ولكن نرد بما تشابهه علينا ولم يسعفنا
عقلنا فى فهمة وبما فهمناه ممن على نفس درجة المؤلف من العلم، ولا أريد أن أقف
موضع المدافع على طول الطريق فطبيعة الإنسان أنه يخطىء.
تعليق المؤلف على أسلوب القرآن فى الكتابة
والسرد القصصى يشوبه الكثير من النقصان فقد ظلم الكاتب نفسه والقرآن بحديثه عنه
ووصفة أنه كتاب عليه مآخذ، وذلك لجهل الكتاب بفنون الكتابه العربية وطبيعة البيئه
التى نزل فيها القرآن وغيرها من الأمور التى تحدى القران العرب بها فعجزوا وهم أهل
العربية.
يغيب عن المؤلف فى أكثر مواضع الكتاب فكرة
الإيمان، التى تقوم على التصديق، فهو ليس ملحد وبالتأكيد يؤمن بما وصله عن طريق
السماع (غيبيات) إذا لماذا الكيل بمكيالين، ووصف معجزات الرسول بأنها مجرد صدف
وقوله فى أسباب نجاح دعوة الرسول "عون غير متوقع ألقاه إليه الحظ" نحن
نتفهم عدم إيمانه بالإسلام ولكن هو هنا ينكر إمكانية حدوث معجزات أو حدوث عون من
الله.
يلجأ الكاتب فى بعض الفقرات لإستخدام ألفاظ
تحمل معنى غير الظاهر وذلك لخدمة هدفه، فالإنسان مهما حاول أن يكون حياديًا تظهر
منه كلمات تشير إلى معتقدة وأفكارة، فقد قال الإمام علي بن أبى طالب: "الرجال
صناديق مغلقة مفاتيحها الكلام"، ومثال ما نقوله هو نسبة الكاتب تنظيم القران
لسيدنا عثمان وهذه كلمة غير دقيقة بالمرة فالقرآن منظم ومرتب على الصورة التى
نراها اليوم بواسطة الرسول صلى الله عليه وسلم.
الإسهاب فى الحديث عن الأدب والتاريخ وسط كل
هذه الموضوعات، والإكثار من الشعر والنماذج فى أكثر من ربع الكتاب، مما كان يمكن
إفراد كتاب آخر (وبالفعل هذا تخصص الكاتب) فما الداعى لهذا الإطناب.
ثانيًا: كتاب حضارة العرب لـ/ جوستاف لوبون.
التعريف بالمؤلف[11].
غوستاف لوبون، مستشرق وفيلسوف مادى، لا يؤمن
بالأديان مطلقًا، جائت أبحاثة وكتبه الكثيرة متسمة بإنصاف الحضارة الإسلامية مما
دفع الغربيين إلى إهماله وعدم تقديره[12].[13]
هو طبيب ومؤرخ فرنسي، عمل في أوروبا وآسيا
وشمال أفريقيا، كتب في علم الآثار وعلم الانثروبولوجيا، وعني بالحضارة الشرقية. من
أشهر آثاره: حضارة العرب وحضارات الهند و"باريس 1884" و"الحضارة
المصرية" و"حضارة العرب في الأندلس" و"سر تقدم الأمم" و"روح
الاجتماع" الذي كان انجازه الأول.
وهو أحد أشهر فلاسفة الغرب وأحد الذين
امتدحوا الأمة العربية والحضارة الإسلامية. لم يسر غوستاف لوبون على نهج معظم
مؤرخي أوروبا، حيث اعتقد بوجود فضلٍ للحضارة الإسلامية على العالم الغربي.
قام غوستاف لوبون برحلاتٍ عدة ومباحثات
اجتماعية خلال حياته في العالم الإسلامي، اعتقد بموجبها أن المسلمين هم من
مَدَّنوا أوروبا، وقد عبَّر عن آرائه بالمسلمين وحضارتهم في كتاباته.
الهدف من الكتاب.
راع المؤلف جحود الغرب الذين صاروا ينكرون
فضل العرب على أوروبا، حتى أصبح هذا الإنكار من تقاليد مؤرخي أوروبا وكُّتابها
الذين لم يقرّوا لغير اليونان والرومان بتمدينهم، وشجعهم على ذلك حالة الركود
الفكرى للعرب وتأخر المسلمين فى الزمن الأخير فلم يُرِد الأوروبيون أن يَرَوْا
للعرب حالاً أفضل مما هم عليه الآن، وكل ذلك كان بسبب اصطراع الغرب والشرق وإلقاء
العرب الرعب فى قلوب الأوروبيون حتى أنهم كانوا يشعرون بمذلة الخضوع للحضارة
العربية التى لم يتحرروا من سلطانها إلا قريبًا.
قرر غوستاف لوبون "أن يبعث عصر العرب
الذهبي من مرقده وأن يبديه للعالم فى صورته الحقيقة ما استطاع"[14]
فأخرج فى سنة 1884م هذا الكتاب، وتمت ترجمتة للغة العربية بواسطة عادل زعيتر.
محتوي الكتاب.
قسّم المؤلف الكتاب إلى 6 أبواب ينقسم كل باب
إلى عدد من الفصول، الباب الأول: البيئة والعرق ويحتوى على ثلاثة فصول
(جزيرة العرب – العرب – العرب قبل ظهور محمد)، الباب الثانى: مصادر قوة
العرب ويحتوى على ثلاثة فصول (مصادر قوة العرب – القرآن – فتوح العرب)، الباب
الثالث: دولة العرب ويحتوى على ثمانية فصول (العرب فى سورية – العرب فى بغداد-
العرب فى بلاد فارس والهند - العرب فى مصر – العرب فى إفريقيا الشمالية – العرب فى
إسبانية – العرب فى صقلية وإيطالية وفرنسة – اصطراع النصرانية والإسلام)، الباب
الرابع: طبائع العرب ونظمهم ويحتوى على خمسة فصول ( أهل البدو وأهل الأرياف من
العرب – عرب المدن؛ طبائعهم وعاداتهم – نظم العرب السياسية والإجتماعية – المرأة
فى الشرق – الدين والأخلاق)، الباب الخامس: حضارة العرب ويحتوى على عشرة
فصول (مصادر معارف العرب؛ تعليمهم ومنهجهم – اللغة والفلسفة والآداب والتاريخ –
الرياضيات وعلم الفلك – العلوم الجغرافية – الفيزياء وتطبيقاتها – العلوم الطبيعية
والطبية – الفنون العربية – فن العمارة عند العرب – تجارة العرب؛ صلاتهم بمختلف
الأمم – تمدين العرب لأوربة )، الباب السادس: إنحطاط حضارة العرب ويحتوى
على فصلين (ورثة العرب؛ تأثير الأوروبيين فى الشرق – أسباب عظمة العرب وانحطاتهم).
نظرة سريعة فى الأفكار العامة.
مثل الكتاب الأول (حضارة الإسلام) وكمنهج
سائر المؤلفين قبل الحديث عن فترة معينة من التاريخ أن يذكروا أحوال المكان قُبيل
دخول هذه الفترة، ولكن هنا غوستاف لوبون ذكر أن أحوال العرب قبيل الإسلام كانت من
عوامل نجاح وانتشار دعوة الإسلام ورسولها، وأشار المؤلف أن ظهور كل شخصية مؤثرة ما
كانت لتكون نفس تأثيرها لو ظهرت فى زمن آخر فى وجود شخصية مؤثرة أخرى كذلك
الأفكار، فقد كانت البلاد والعالم
"مُسن متصدّع" فى هذه الفترة، ولم يتوجب على أتباع محمد إلا أن
يهزوه ليتساقط.
كانت القوة والعصبية والأصل الذي يميل للحروب
من صفات العرب التى جعلتهم يفتحون البلاد ويجعلونها تحت سيطرتهم، ولكن إقامة
الحضارة تحتاج لأكثر من ذلك، وبما أن العرب أقاموا حضارة بعد فتح البلاد وهذا
ماعجز عنه البربر بعدما ورثوا حضارة الرومان فى الغرب، لذا كان هناك تأثير للعرق
(الذى يتكون مع تعاقب الأجيال ويحمل قوميات وأخلاق ومشاعر واحدة) فى بناء العرب
لنهضتهم فمن سمات العرق العربى أن الجميع كانت لهم قابليات متماثلة ويوجهون جهودهم
نحو غرض واحد.
امتلك العرب الذكاء والحماسة والاستعداد
الفنى والأدبى مما جعلهم يتقبلون الوضع الجديد بسرعة ويسعون للكمال ويستغلون ما
تحت أيديهم من امكانيات جديدة تجعلهم متطورين ينافسون الحضارات الأخرى فى كل
المجالات.
أشار المؤلف أن عوامل نهضة العرب وعظمتهم هى
نفسها عوامل إنحطاتهم وذكر على سبيل المثال قوتهم القتالية وطبيعتهم الحربية عندما
كانت سبب فى عظمتهم لما وجهوها ناحية أوروبا، وكانت ذلك سبب إنحطاتهم عندما وجهوا
أسلحتهم نحو وأنفسهم.
كان سبب عظمة العرب ونجاحهم أيضًا بجانب
اهتراء العالم من حولهم هو المثل الأعلى الذى أبدعة محمد صلى الله عليه وسلم، يقول
المؤلف أن عبادة أى مثل عالٍ هو من أقوى العوامل فى تطور المجتمعات البشرية ويكفى
أن يكون المثل قوى ليمنح الأمة مشاعر مشتركة وآمالاً مشتركة وإيماناً متيناً يندفع
به كل واحد من أبناء المجتمع نحو تحقيق النصر والتضحية بالنفس فى سبيل ذلك. هذا
بالإضافة إلى تسامحهم مع أهالى البلاد المفتوحة وبساطة نظمهم التى لاءمت احتياجات
الأهالى.
ذكر المؤلف من أسباب سقوط العرب وانحطاتهم
1- طبيعتهم الحربية وميلهم للخلاف التى ظهرت بعدما قضوا على اعدائهم وتفرغوا لمحاربة نفسهم.
2- مخالفة نظم القرآن التى كانت سبب ازدهارهم واضطرار السلطان أن يستبد بملكه ويستحوذ على زمام كل الأمور.
3- اغترار اصحاب الولايات بما لهم من جيش وبلاد فأرادوا أن يستقلوا ليساووا السلطان والخليفة فى كل شيء بدلا من التبيعة له ونجاح بعضهم فى حركتة الإستقلالية كان سببا شجع الولاة الآخرين.
4- الحضارة (والترف)
تهذب الطبائع وتثقف الذهن ولكنها لا تنمى الصفات الحربية بل توهِن أصحابها مما
ينذر بسقوطها. 5- اختلاف العروق التى خضعت لسلطانهم حيث أن فى اختلاط مختلف الأمم
فى دولة واحدة ينذر بسقوط وتفكك هذه الدولة إلا إذا (كان الفاتح قويا ويعلم من
يفكر فى مقاومتة أنه مهزوم لا محالة، و أن لا يتوالد الغالب والمغلوب) والسبب الثانى
أهمله العرب.
مميزات الكتاب.
يمكن تلخيصها سريعًا فى الوقت الذى ألف فيه
المؤلف هذا الكتاب وكان العالم العربى والغربى في سُبات عمّا يحدث لحضارة العرب من
تهميش، بالإضافة إلى أمانة المؤلف التى جعلته ينطق بما لدية من معلومات ولو كانت
مخالفة للتيار ضاربًا بالمكاسب المادية عرض الحائط، شمولية الكتاب التى تظهر جلية
منذ تصفح الفهرس فقد خصص لكل جانب من جوانب الحضارة أبواب وفصول وفقرات.
بين الكتابين:
1- القرآن الكريم (حضارة العرب صـ117) (حضارة الإسلام صـ108)
من خلال كتاب حضارة الإسلام نخرج بعدد من
المعلومات المغلوطة وهى أن القرآن نزل على هيئة رؤى قصيرة ووصايا وامثال وقصص وأن
الرسول كان ينوى أن يجمعها ليُخرج منها مجموعة من القوانين الدينية المجمعة وأن
سيدنا عثمان هو من نظّم القرآن ولا يوجد تفسير مرضى عن سبب نهايات الآيات والسور
وترتيبهم.
ولكن جاء كتاب حضارة العرب ليرد على تلك
المغالطات وأن القرآن ككتاب مقدس لدى المسلمين تم تجميعة وقد واصل المؤلف شرح
أهمية وبلاغة وفصاحة القرآن الكريم وانه لا يمكن أن يُعاب الشرقيون بسببه ،وقد ذكر
المؤلف عدد من الآيات ثم أفرد فصل لفلسفة القرآن...
2- المرأة فى الإسلام (حضارة العرب صـ397) (حضارة الإسلام صـ225).
فى كتاب حضارة الإسلام ذكر المؤلف المرأة
أثناء حديثة عن الطبقية والتمايز بين أفراد المجتمع، وذكر التعدد وملك اليمين
واستبعاد المرأة من الحياة السياسية...
أما كتاب حضارة العرب فقد ذكر أولا أن مبدأ
التعدد كان موجودًا عند اليهود والفرس والعرب قبل ظهور محمد صلى الله عليه وسلم،
ثم أوضح المؤلف أن الموضوع بالمنطق الذي فى الإسلام والقيود والشروط التى تتعلق به
أكثر تنظيما من الذي يحدث فى السر فى أوروبا.
وغير حال التعدد من باقي أحوال المرأة فى
الكتابين من شبهات والرد عليها من الآخر.
3- فى جانب التنظيم والتخصص والتنظيم
يتفوق المؤلف جوستاف لوبون الذي أفرد 31 فصل
شرح فيهم وبين كل نواحي الحضارة من غير إسهاب ممل فى جزء أو جانب معين ولا تلخيص
يخل بالمعنى بخلاف جوستاف إ.فون الذي احتوى كتابه على 9 فصول كان الإسهاب فيهم عن
الأدب وذكر النماذج الكثيرة من الشعر جاء ذلك على حساب باقى الفصول.
4- فى جانب الأمانة الدّقة والتفاصيل
يتفوق المؤلف جوستاف إ.فون فى الوصف الدقيق
الذى قد يكون بسبب زياراته المتعددة للمشرق ومعايشته لأهله، كذلك نقده للآراء التى
لا سند لها من العقل أو التاريخ، وفى جوانب أخرى كان ينتقد بمنطقية فكانت شبهاته
جديدة على الساحة جديرة بالبحث عن الرد عليها وإفراد الكتب فى تفنيدها، على عكس ما
جاء فى كتاب جوستاف لوبون من أمور تأتى على وفاق مع القارئ المسلم فلا تثير عقله
كما الأمر فى كتاب حضارة الإسلام.
[1] محمد بن أبى بكر بن عبدالقادر
الرازى: مختار الصحاح، مكتبة لبنان، بيروت، ط1 1986م، ص141.
[2] مانع بن حمادالجهنى: الموسوعة
الميسرة فى الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة، دار الندوة العلمية للطباعة
والنشر والتوزيع، ج2، ط3 1418هـ، ص697.
[3] عبدالرحمن البدوى: مجموعة
الإستشراق والمستشرقين، دار العلم للملايين، بيروت، ط3 1993، ص182.
[4] مصطفى السباعى:
الإستشراق والمستشرقين مالهم وما عليهم، دار الوراق، القاهرة، ط1، ص42.
[5] البدوى: مجموعة
الإستشراق
[6] جوستاف إ.فون
جرونيباوم: حضارة الاسلام، ترجمة عبدالعزيز توفيق، ط2 مكتبة الاسرة 1997، القاهرة
ص2.
[7] نفسة: 9
[8] استنتجت ذلك من
الردود التى من المفترض أن تكون قاطعة ولكنها جائت أحيانًا مختلف فيها من المسلمين
أنفسهم مما قد يجعل المؤلف –لو كان حيّا- يرد على المترجم بكلام من الذين هم على
دين الإسلام.
[9] المرجع السابق:
ص183
[10] ص220.
[11] أضطررت لأخذ التعريف من موقع
(أبجد) بتاريخ 29-11-2019م وذلك لفقر المراجع العربية
التى تحدثت عنه، وقد ذكر موقع ويكيبيديا تعريف للمستشرق وقال أن المرجع هو الموسوعة
العربية الميسرة تأليف مجموعة من الباحثين، وبالرجوع للموسوعة، طباعة المكتبة
العصرية، بيروت، ومراجعة حرفي الجيم والغين لم نجد للمستشرق ذكر، وبتصفح التعريفات
على كل المواقع الإلكترونية وجدناها واحدة ولا يوجد بينها تضارب.
[12] مانع بن حماد الجهنى: الموسوعة
الميسرة فى الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة، دار الندوة العلمية للطباعة
والنشر والتوزيع، ج2، ط3 1418هـ، ص699.
[13] ليس له ذكر فى
موسوعة المستشرقين لا ندرى أهذا إغفال أم تغافل وما سببه؟ لأن الموسوعة تضم عدد
كبير جدا من المستشرقين.
[14] غوستاف لوبون:
حضارة العرب، ترجمة عادل زعيتر، مكتبة الأسرة، 2000م، ص5.
تم بحمدالله
محمد عبدالغفار بدر
حبيبي
ردحذف