فنون الحرب والقتال عند الموحّدين || تاريخ المغرب.


فنون الحرب والقتال عند الموحّدين || تاريخ المغرب.

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يُضلل، فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.


نتحدث فى هذا البحث عن موضوع من الموضوعات المهمة فى التاريخ الإسلام خاصة وفى التاريخ ككل، فنح عند الكلام عن فترة من الزمن فإن هذا يستوجب منّا الوقوف على تفاصيل هذه الفترة لأخذ العبر، فنقتدى بهم حيثُ نجحوا، ونتعِظ من أخطائهم حال سقوطهم.


إن دولة الموحدين من الدول التى أعادت لبلاد المغرب والأندلس قوتها وهيبتها فى فترة عصيبة من فترات هذه المنطقة، فقد تصدّت الدولة لهجمات النصارى وحازت تحت إمرتها المغرب الأقصى والأوسط وإفريقية والأندلس.


عمل محمد بن تومرت على نشر هذه الفكرة التى قامت على أساس توحيدالله توحيداً مطلقًا واجتهد على العمل فى سبيل الدعوة حتى قامت لهم دولة فتيّة خلّفت لنا من الحضارة ما لا نستطيع إغفاله وتجهاله من نظم إدارية ونظم حربية، ونظم اجتماعية وعلوم ومنشآت، وخلف بن تومرت خليفته عبدالمؤمن وساعد بشكل كبير فة إزدهار هذه الدولة.


نستعرض خلال هذا البحث جانب من أهم الجوانب فى هذة الدولة وهو الجانب العسكرى، وهو أيضاً من أهم اعمدتها التى قامت عليها ومكّنها من حكم كل هذه الرقعة من الأراضى بسهولة، كان لهذا الجانب أهميتة بسبب حالة الحروب الخارجية حيث النصارى المتربصين بالمسلمين المغتصبين لأرضهم من جانب والثورات الداخلية والتنازع على الحكم والإستقلال بالدول والإستقواء بالأعداء من جانب آخر، فكان من الضرورى لإنهاء هذه الحاه من قوة عسكرية حكيمة تستطيع بما لديها من فكر وعدّة وعتاد ان تقاتل فى كل تلك النواحى وتنتشل الدولة من حالة الضياع وتسموا بها لما كانت عليه فى سابق عهدها.


نقف من خلال ما وصل علمه إلينا على "فنون الحرب والقتال عند الموحدين" متناولين الموضوع من بداية تكوين الجيش ومعداته البسيطة القليلة وجنوده التى اتخذت سياسة الدفاع لقلة عددهم ونعرف مراحل تكون هذا الجيش إلى أن أصبح من أقوى الجيوش فى المنطقة متناولين عناصر تكون هذا الجيش وقياداتة وحتى الرايات واللباس الخاص بهم وطريقة حركتهم.


يتكون البحث من فصلٍ واحدٍ حيث أننا بصدد الحديث عن الجانب العسكرى فقط، وبداخل الفصل عدد من العناصر يتناول كل عنصر بإختصار  نقطة محددة كانت لها تأثير فى قوة الجيش أو تمييز له أو سمة اختص بها هذا الجيش.


 

أولًا: أهمية الجيش الموحدى:

ليس ثمة شك فى أن القوة العسكرية كانت منذ البداية عماد الدولة الموحدية الأول، وقد بلغت التنظيمات العسكرية فى ظل الدولة الموحدية من حيث الضخامة مبلغًا لم تبلغه فى أى دولة أخرى فى الغرب الإسلامي.


ففى بداية الدولة الموحدية –عهد المهدى محمد بن تومرت- بايعته قبائل المصامدة التى آمنت بدعوته واعتنقت فكرته وأصبحت هى العماد الأساسى للجيش الموحدى وكانت تلك القبائل تتكون من هرغة وكدميوه وكنفيسة وقبائل أهل تينملل وهنتاتة وأضاف عبدالمؤمن بن على لهم قبيلته كومية وهسكورة وصنهاجة.


على ذلك النحو كان الجيش الموحدى قائم على الحشود القبلية، وبدأت فى البداية بشكل متواضع حينما أعلن المهدى امامته، وسرعان ما تضخمت هذه القبائل بدخول اكثير من الأنصار الجدد، وخصوصًا عند خروج عبدالمؤمن بحملتة الطويلة التى انتهت بفتح مراكش فبدأت القبائل البربرية تدخل فى الدعوة الموحدية كزناتة ومسوفة وغيرهم.


برغم قيام الجيش على الحشود القبلية إلا ان عبدالمؤمن بن على أول الخلفاء الموحدين أستطاع بسياستة تأليفهم وجعلهم وحدة عظيمة مترابطة متناسقة عددها ضحم قدرته بعض المصادر 75 ألف فارس و 500 ألف راجِل ونلاحظ هنا قلة عدد الفرسان بالنسبة للمُشاة ولكن بعد استتباب الأمر وفتح البلاد أمام الموحدون وغنيمتهم للعدة والرجال والعتاد قارب عدد الفرسان عدد الرجال وساواه فى فترة الخليفة عبدالمؤمن بن على.


ثانيًا: عناصر الجيش الموحدي:

تكون الجيش الموحدى من عدة عناصر وهم: الأندلسيون والعرب والروم والغُزّ والسودان، كان بتلك العناصر جيش ضخم من حيث العدد وقد وردتنا بعض الروايات المختلفة تقول بأن الجيش الموحدى فى جميع المعارك الكبرى كان نحو مائة ألف مقاتل وأكثر، وهناك روايات أخرى لمؤرخين عن عدد الجند وبرغم مبالغتهم فى عدد الجند حتى قال أحدهم بزيادة عدد المشاة عن 500 ألف راجِل إلا أننا نقف من تلك الروايات على حقيقة ثابتة وهى ضخامة الجيش وكثرة عدده.


الأندلسيون دخلوا فى طاعة عبدالمؤمن بعد فتح مراكش وكان يُقِر كل من يوحد على منطقته وعلى رأس جيشه وظل الأمر على ذلك حتى ثارت عناصر من الأندلس فأرسل لهم عبدالمؤمن عناصر من الموحدين يقيمون فى الأندلس وهذا لا يعنى استغناءه عن الاندلسيين فقد تركهم للمهام الخاصة التى تتطلب وجودهم وللإستفادة منهم وبخبرتهم فى قتال النصارى الذين برعوا به لعلمهم بالبلاد فكانوا جناحاً هامًا فى الجيش يمتازون بالشجاعة ويقاتلون فى طليعة الجيش وكثٌرَ ذكرهم فى حروب الموحدون مع النصارى وكانوا سبب فى النصر.


العرب برغم تغلب عبدالمؤمن على بجاية وهزيمة العرب الزحفية (نسبة إلى الزحفة الهلالية) واستقدام أشياخهم معه إلى المغرب إلا انه كان يخشاهم لذا لم يضم العرب للجيش إلا بعد فتح إفريقية حيث جمع أمراء العرب وأخبرهم بوجوب قتال المشركين معه لإستفحال أمرهم بجزيرة الأندلس ولإحتياجة للعرب وخبرتهم فى قتالهم وأثنى عليهم ونسب لهم الفضل فى قيام الدولة الاسلامية فى عهد الرسول والخلفاء فاستجاب له العرب وجابوه بالسمع والطاعة، وقد اعتمد عليهم وعلى خبرتهم كثيراً واستعان بهم فى جيوشةه، وعندما استنجد به ابنه ابو يعقوب يوسف وكان والى اشبيلية أمدّة بجيش من العرب يقاتل بهم النصارى، وورد أن قبائل جشم أمدت عبدالمؤمن بألف من كل قبيلة، وسار أبو يعقوب بعد والدة على نفس السياسة فوجههم لإخضاع قبائل غمارة، وكان العرب يقبلون على الغزو طواعية طمعاً فى العطاء والأموال، وذكرت المصادر أعداداً تدل على كثرة العرب الكبيرة فى الجيش الموحدى.


وهناك أيضًا مساوئ لإنضمام العرب كما ذكر عنان فقال:"بيد أنه تبين فيما بعد أن انضمام أولئك العرب إلى الجيش الموحدى كان خطأ عسكرياً فادحاً، وأن ضررهم كان أكثر من نفعهم فى مشاركته، وذلك لما كانوا يتسمون به من التقلب وعدم الولاء، وشغف انتهاز الفرص السانحة وقد خذلوا الجيش الموحدى فى كثير من الوقائع فى افريقية والأندلس ... وكانوا عامل تخريب ودمار في إفريقية طوال أيام ثورة بنى غانية يتقلبون طوال الوقت بين الفريقين المتحاربين، على أن السياسة الموحدية لم تعدل عن سياستها فى استمالة العرب ومصانعتهم حتى النهاية".


الروم لم يكن الموحدون أول من استخدمهم فى المغرب فقد استخدمهم المرابطين منذ أيام يوسف بن تاشفين كحرس خاص حصل عليه من الغزو والفتوحات والأسر أو بالشراء وكان المرابطون يوكلون أمر الجنود الروم لقائد منهم وقد دافعوا عن المرابطون جيداً وقاموا بجباية المغارم لهم، وبعد سقوط دولة المرابطين أبقى الموحدون على جند الروم واستخدمه فى إخماد ثورة الماسى بعد فتح مراكش –كما ذكرت المصادر- وكانوا سبب فى اخمادها بالفعل، وكان يوسف بن عبدالمؤمن يستكثر بهم لاعتيادهم على قتال الزحف بخلاف العرب الذين اعتادوا الكر والفر ولكى لا يُنهَك جيش المسلمين فى قتال بنى ملتهم، وكان الموحدون لا يستخدمون الروم فى قتال غير المسلمين.


الغُزّ كانوا جماعة من الترك المماليك موطنهم الأصلى على تخوم الصين، قدِموا إلى مصر فى عهد صلاح الدين يوسف بن أيوب عام 568هـ، واختلف المؤرخون على سنة دخولهم للمغرب والمهم أن دخولهم المغرب كان بالتأكيد فى خلافة يوسف بن عبدالمؤمن ولكن إنضمامهم للجيش لم يحدث إلا فى خلافة المنصور الذى حوّل سياسته من استرقاقهم إلى تجنيدهم لما رآه فيهم من مزايا تفيد الجيش وأغدق عليهم بالأموال والعطايا حتى كان الفرد منهم  يتساوى بالفرد الموحدى بل يزيد عنه فى الأعطيات ويمنح كبارهم الأراضى وأصبح الأغزاز عماد من أعمدة الجيش الموحدي فى المغرب والأندلس وإفريقية.


السودان كانوا عنصراً أساسياً ى الجيش المرابطى وكان منهم جُل عبيد المخزن الذين فتحوا مراكش مع صنهاجة من جانب باب الدباغين.


كان للجنود السودان منذ خلافة يوسف بن عبدالمؤمن فرقة خاصة بهم فى الجيش الموحدى، شاركوا فى منازلة وبذة وكانوا يهدمون أسوارها ويردمون خنادقها، وكان منهم حرس الخلفاء يمشون بين يديهخلال سير الجيش ويضربون دائرة حولة أثناء المعركة.


ثالثًا: أقسام الجيش الموحدي:

كان الجيش الموحدى كالجيوش النظامية لها أقسام لكل قسم مهامة وتسليحه الخاص وأهميتة فى المعارك ومميزاته فى المواضع المختلفة التى يحددها خبرات هذا القسم، وكان الجيش الموحدى بذلك ينقسم لأربعة أقسام (فرسان – مشاة – رُماة – طبّالة).


كان عماد الجيش وأهم قسم فيه هم الرجّالة (المُشاة) حيث كانوا أكثر عددًا من البداية الأمر الذى جعل الخلفاء يعتمدون عليهم لأن الفرسان كانوا قليلى العدد، إلا انه بعدما قامت دولة الموحدين واستتب لها الأمر وفتحت أمامها البلاد وغنِموا العتاد الحرب كان عدد الفرسان يصل لعدد المُشاة فى بعض الحملات العسكرية وكان الرمُاة مع هذين القسمين يمشون فى مقدمة الجيش وكانوا من فرقة عبيد المخزن فى البداية ثم انضم لهم عدد من قبائل الموحدين والعناصر الأخرى من الجيش، وكانت الطبالة هى الفرقة الرابعة وكانت أيضا من عبيد المخزن وكانت نشأتها مع بداية الدولة الموحديه واتسع نطاقها إلى أن وصلت فى عهد يوسف بن عبدالمؤمن إلى مائة طبل وكانت لها أغراض كثيرة كالإعلان عن الإستعداد للرحيل، أو التجمع للقتال، أو التنبية من كمين، أو إرهاب العدو حيث كانت تُسمع من مسير نصف يوم، ومراسم الإستقبال عند عودة الخليفة أو استقبال وفد أو إقامة حفل أو تنصيب والٍ جديد.


رابعًا: التنظيم العسكرى للجيش الموحدي.

لقد كان الجنود فى الجيش على مختلف عناصرهم وأقسامهم ينتمون إلى قبائل أو طوائف إقليمية، لذا قسّم الخلفاء الجيش ونظموه على هذا النحو لكل قبيلة وحدة ولكل طائفة وحدة وكل وحدة لها نظامها المميز فى السير والقتال وتلقى الأوامر وصرف الأعطيات والكسوة والزاد وكان للروم والعبيد والأغزاز قبائل قائمة بذاتها، و فى كل وحدة من هذه الوحدات مجموعات وعلى كل مجموعة نقيب يمثل حلقة الوصل بين المجموعة والقيادة العليا وفى المجموعات أيضاً تقسيم عشرى فكان لكل عشرة خيمة فى حالة الخروج للحرب.


خامسًا: قيادة الجيش الموحدي.

كان فى الجيش الموحدى ثلاثة أنواع من القيادات الأولى: قيادة الوحدة وهى قيادة عنصرية طائفية إقليمية يأمر بها الخليفة واحد من أهل الوحدة ذات ثقة وأمانة ومقرب عند الخليفة وظلت كذلك إلى عهد أبى يعقوب يوسف الذى كان يجعل على قيادة الوحدة أحد أخوته من بيت عبدالمؤمن بن على (السادة) وذلك بسبب نظام التوريث الذى كان فى الدولة الموحديه وكان الخليفة يبعث مع ابنائه عندما يجعلهم على قيادة الجيش بعض أشياخ الموحدين أصحاب الخبرة وكان الأبناء نفسهم أصحاب خبرة فىأمور الحرب لتدريبهم عليها مع السياسة فى مدارس الحفاظ التى أنشأت لذلك وكانت الوحدات الأندلسية كلها تحت قيادة رجل واحد ذات خبرة فقد اهتم الخلفاء بذلك لمواجهتهم الكثيرة مع النصارى، الثانية قيادة الولاية وكانت من اختصاص الوالى الذى قد يُشرك معه الطلبة فى المشورى أو يرسلهم على جيوش فرعية وكان يستشيرهم، الثالثة قيادة عامة وكانت من اختصاص الخليفة الذى كان يقود الجيش بنفسة فى المعارك الكبرى بالأندلس وإفريقية ويستشير الأشياخ من الموحدين والعرب والأندلس وكبار القادة لضمان النجاح فى الحملة وهذا كان سر تفوق الجيش فى عهد عبدالمؤمن بن على وعندما أغفل أبو يعقوب يوسف ذلك الأمر فشلت غزوته فى الأندلس برغم ضخامة عدد جيشة، وكان الخليفة أحيانا يولى القيادة العامة للجيش لأحد أبنائه ويرسل معه بعض السادة من الأخوة والأشياخ الموحدين وفى هذه الحالة يكون القرار فى الحرب بعد عقد مجلس حزب يرأسه أكثر الموحدين خبرة بالشئون العسكرية مثل أبى حفص عمر الهنتاتى فى عهد أبى يعقوب يوسف.


سادسًا: معدات الجيش الموحدي.

اهتم خلفاء الموحدون بإعداد الجيش وإمدادة بكافة مايحتاج إلية الجيش والجنود من أسلحة ومؤن ووسائل معيشة  فكان الخليفة يبنى فى المحلات التى ينزل بها الجيش فنادق وديار كثيرة ويوفر لهم الماء وسائر سبل الراحة.


يقول عنان فى كتابه: "كانت الإنعامات والبركات من أخص امتيازات الجيش الموحدى، ولاسيما فى ابان ازدهار الدولة وقوتها، وكان ذلك يشمل فضلاً عن منح الأجور والأعطية للجند إقامة المآدب للطعام وتوزيع الأسلحة والكسى، وكان كساء الفارس عبارة عن طقم كامل من عفارة وعمامة وكساء وقسطة وشقة ومبالغ وعملات ذهبية تصل للقادة والاعيان تصل إلى مائة دينار لكل منهم".



سابعًا: الرايـــات.

اتخذ المهدى فى بداية دعوته الراية البيضاء شعاراً له وللجيش ولما كانت الرايات معدومه كانت الأكسية تستخدم مكانها لِما فى الراية من ضرورة لإعطاء الجيش التكامل التنظيمى فما من جيش إلا وله رايه، وظلت الراية البيضاء شعار الموحدين الى ان عين بن تومرت لكل قبيلة راية تميزها.


كانت الساقة هى مكان الرايات والطبول وغيّر هذه السياسة الخليفة أبى يعقوب خالف هذه العادة فى أول غزواته الى الاندلس  فسار كل ذلك أمامه مع المصحفين، وبلغت الرايات فى عهد عبدالمؤمن 300راية ما بين أعلام وبنود وألوية وكان الغرض منها إرهاب العدو وإثارة الحماس فى الجند، وكانت للرايات نظام مختلف أثناء الاحتفالات واستقبال الوفود.


ثامنًا: الأسلحة.

كانت الأسلحة فى بداية ثورة بن تومرت عبارة عن أسلحة بدائية، حيث لم يكن لهم أسلحة ولا خيل ثم بدأت تكثر الأسلحة والخيل بمغانمهم من المرابطين، فكان سلاح الموحدين لفترة طويلة هو الدرق والرماح، وبعد ذلك ساهم عبدالمؤمن فى تقوية هذا الجانب فى الجيش فيقول الأستاذ نجيب زبيب: "وفى عهده –يعنى عبدالمؤمن بن على- شيّدت دور لصناعة السلاح والذخيرة كالسيوف والرماح والدروع والخوذ وقيل أن مصانع السهام كانت تنتج عشرة قناطير من السهام يوميًا وكانت هى تلك أسلحة العصر. أما الفرسان فكانت الخيول مطاياهم، ولابد أنه كان يستعمل النياق والجمال فى صحارى الجنوب".


 


تاسعاً: النظام الحربى للموحدين.

بدأ محمد بن عبدالله تومرت حربه مع المرابطين بالتخلى عن الحرب فى السهول واتباع طريق القمم فوق الجبال –وذلك لقلة عدد الجيش-  وكان هذا الطريق تجارياً قبل ذلك يربط سلجماسة بفاس ويمر بسفرو ودارت بين الجيشين المرابطي والموحدى حرباً فاصلة فى الأورينتال بين تازا وتلمسان انتصر فيها الموحدون.


 كان من نظامهم فى الحروب بناء السدود على النهر الذى أمام المدينه المراد فتحها ثم يهدمون السد فيحدث طوفان يهدم أسوار المدينة المحاصرة وقد يمنعون الماء عن المدينة المحاصرة أو يحاصرونها اقتصاديًا بتخريب الزروع من حولها، كما استخدموا السلالم العالية والمجانيق القوية والكرات الحديدية الملتهبة والأبراج، وكانت كل تلك المعدات تصنع مكان الحصار فما إن عزموا على الرحيل أحرقوا كل ذلك.


كان الموحدون متفوقين فى بناء الأسوار والحصون والمنشآت الدفاعية ومازالت آثار تلك المنشآت إلى الان شاهدة على تفوقهم، وكانوا يهتمون بالثغور وتأمينها وارسال الجند والمؤن اليها وتفقد أحوالها باستمرار. وكان أثناء الحرب يقف الخليفة أو القائد ببرج عالٍ يراقب احداث سير المعركة.


 


عاشرًا: حركة الجيش الموحدي.

رغم ضحامة جيش الموحدين العددية فقد بالغ الخلفاء فى حفظ النظام والضبط والربط أثناء حركة الجيش حتى ذكر النويرى ذلك وقال: "كانوا يسيرون بين الزروع فلا تتأذى بهم سنبلة واحدة، وإذا نزلوا صلوا جميعهم مع إمام واحد بتكبيرة واحدة لا يتخلف منهم أحد". وكان من يخالف النظام ويتخلف عن مكانه يعرِض نفسة للتعزير وضرب السياط وغيرها من وسائل التأديب والعقاب لأن مخالفة هذا النظام قد تلحق بالجيش كارثة كبيرة مثل التى حدثت فى شنترين وكان ضحيتها الخليفة نفسة أبو يعقوب يوسف.


يقول صاحب الحلل الموشية فى تنظيم الجيش الموحدى: "كانت عادته فى أسفاره أن يرحل بعد صلاة الصبح بعد أن يٌضرب طبل كبير ... وكان إذا ركب أجتمع  إلية الأعيان يدعون له، ويتقدم الناس، ويمشى أمامه على بعد منه مائة فارس بمصحف عثمان بن عفان، وكان لا يوازيه احد غير ابنة أبو حفص وكان خلف منهم باقى اخوتهم ثم الأمراء المدبرون للأمر ثم الناس، لا يتقدم أحد ولا يتزاحم".


وعند عبورهم القناطر والجسور كان يخصص لكل فرقة من الجيش يوم للعبور على حذر شديد حتى لا تتهدم القناطر والجسور ويختل نظام الجيش وحتى يتم الحفاظ على راحة الجنود التى كان هدف ومحط اهتمام الخلفاء فكانت المسافة التى تقطع فى 17 يوم تقطع بالجنود فى 6 أشهر.


الحادى عشر: استراتيجيتهم فى القتال.

كان الموحدون يعتمدون فى غزوهم على عنصر المفاجأة ومباغتة العدو فكانوا يعلمون عن جهه  غير المراد التوجهه إليها ويسيرون فى سرية تامة للجهة المقصودة سالكين طرقاً غير المعهودة والمعروفة لسير الجيوش.


كما أبتكر الموحدون خطة فى القتال عرفت بإسم (المربع الموحدى) فى بداية ثورتهم لمواجهة جيش المرابطين الضخمو اشتهر فيما بعد واصبح عماد خطط الدفاع الموحدية وهى أن تصنع مربع من جهاته الأربعة رجال بأيديهم القنا الطوال والطوارق المناعة ومن ورائهم أصحاب الدرق والحراب كصف ثانٍ ومن ورائهم أصحاب المخالى فيها الحجارة والصف الرابع من الرماة وفى داخل المربع يوجد الفرسان.

فنون الحرب والقتال عند الموحّدين || تاريخ المغرب.

 

الثانى عشر: البحرية فى عهد الموحدين.

كانت الخلافة الموحدية ترنو بأبصارها تجاه الأندلس تريد ضمة تحت سيطرتها ليكمل لها توحيد المغرب الإسلامى الكبير، وأثناء حصار عبدالمؤمن لمدينة فاس وفد عليه أهل الأندلس وكان من ضمنهم على بن عيسي بن ميمون  وانضمت لموحدين قادس وكانت إحدى مراكز الاسطول المرابطى، وانضم لهم محمد بن ميمون صاحب البحر وقائد اسطول المرية، بذلك انتقل لملكية الموحدين آثار وبقايا الاسطول المرابطى ولم يكتفى الموحدون بذلك فعملوا على إنشاء القطع البحرية فى المغرب وإفريقية والأندلس وأنشأوا دوراً جديدة فأنشأ عبدالمؤمن المعموره على حلق البحر وأنشأ يوسف دار صناعة فى اشبيلية وسبتة، كما تواجدت دور للصناعة فى قصر مصمودة كانت تبنى عليها المراكب التى تنقل الجنود والمعدات إلى الأندلس.


أُسنِدت قيادة الأسطول (أمير البحر) لقادة على دراية بأمور البحر مثل بنى ميمون الذين كانوا قادة الاسطول المرابطى وبنى مردنيش بالإضافه لأشيخ الموحدين ممكن اكتسبوا الخبرة البحرية، وكانت سبتة هى مركز قيادة الأسطول وكانت مهام الاسطول الحرب والحماية ونقل الجيش فلعب الاسطول دورا هائلاً فى معارك الموحدين  خاصة فى افتتاح المهدية ومواجهات نصارى أسبانيا خاصة مع مملكة البرتغال فى طبيرة وقصر أبى دانس وشلب.


الخاتمة:

مما سبق نرى أن الدولة الموحدين قد أولَت الجيش اهتمامًا فائقًا بداية من الإعداد النفسى للجنود والثناء عليهم بما فيها، ثم وضع القوانين التى يترتب عليها الثواب والعقاب، ثم العمل على تقوية الجيش مادياً وإمدادة بالسلاح وتوفيرة وصناعة الدور والمصانع، وتوحيد اللباس  وتمييز الجنود والفرق عن بعضها، وإعداد الرايات والطبول، ثم السير بالجيش فى الطريق على نظام محدد يحفظ  له السلامة والراحة إلى ان يصل للإستراحات المعَدّة له فيجد الجندى المأكل والملبس والمشرب فلا يهتم بشيء سوى التدريب واعداد نفسة للنصر.


ان جند الموحدين استمدوا القوة والحماس من الخلفاء الذين كانت همتهم عالية يقودونهم بخطط مدروسة نحو النصر المحقق فكان كل نصر يزيد فى إيمان الجند ويرفع معنوياتهم وكل تقدير من الخلفاء لهم يزيدهم إصراراً على مواصلة الجهاد وجلب الإنتصارات.


بهذا تجاوزت الدولة الموحدين فى عهد عبدالمؤمن بن على خصوصاً طور البداوة وصارت دولة قوية موطدة الأركان متسعة الأرجاء فى بلاد المغرب والأندلس، لها أنظمتها الإدارية ةالعسكرية المتطورة التى تؤهلها لشعل مكان فى عداد الدول الكبرى فى عصرها.

 

  

المصادر والمراجع


    - المؤلف مجهول: الحلل الموشية فى ذكر الأخبار المركشية، تحقيق سهيل زكار وعبدالقادر زمامة، دار الرشاد الحديثة، ط1 1399هـ/1979م.
- عنان (محمد عبدالله عنان): دولة الإسلام فى الأندلس العصر الثالث عصر المرابطين والموحدين فى المغرب والأندلس، ج3 القسم الثانى، مكتبة الخانجى بالقاهرة، ط2 1411هـ/1990م.
- نجيب زبيب: الموسوعة العامة لتاريخ المغرب والأندلس، تقديم أحمد بن سودة، ط1 1415هـ/1995م، دار الأميرللثقافة والعلوم، ج2.
- أحمد محمد اسماعيل الجمال: دراسات فى تاريخ الحضارة الإسلامية.




                                تم بحمدالله

محمد عبدالغفار بدر



تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الدولة الوطاسية (الوطاسيون) || تلخيص من كتاب: الاستقصا لأخبار المغرب الأقصى لشهاب الدين السلاوي

تاريخ الأسكندرية وحضارتها فى العصر الإسلامي حتى الفتح العثماني || تلخيص لكتاب الدكتور السيد عبدالعزيز سالم

تاريخ الدولة الطاهرية | أول الدويلات المستقلة في الدولة العباسية.