ثُلاثيّة غِرناطة|| تعليق على رواية رضوى عاشور
المقدمة:
الحمدلله رب العالمين، والصلاة والسلام على
أشرف الخلق أجمعين، وعلى آله وصحبة الطيبين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
نشرع -بمشيئة الله- فى الصفحات القادمة
بقراءة سريعة حول رواية من الروايات اللى اشتهرت على الساحة المصرية والعربية وبين
المهتمين بالروايات من الشباب خصوصاً علّنا نقف على أفكار ومحاور وقضايا جديدة
واسباب نجاح أو انتشار مثل هذا النوع من الكتابات.
رواية ثلاثية غرناطة الحائزة على
جائرة أفضل رواية لعام 1994م على هامش معرض الكتاب الدولى بالقاهرة وعلى
جائزة المعرض الأول لكتاب المرأة العربية عام 1995م.
الرواية للكاتبة والأديبة رضوى عاشور التى
نشأت وترعرعت فى بيئة أدبية وكانت حياتها الإجتماعية والدراسية وحتى الزوجية لها
أعظم الأثر فى انتاج الكاتبة وعلى اسلوبها ومشاعرها فعندما تكتب من عاشت فى
المجتمع العربى والغربى ومن نشأت على قراءة الشعر ومن تزوجت برجل فلسطيني تعرض
للنفى وبسبب ذلك تفككت الأسرة حوالى 17 عام عندما تكتب من مرت بكل هذه المراحل
ستكتب مالا يستطيع كتابته غيرها ممن يمتلكون مجرد حكاية وبعض الكلمات الجزلة وقالب
روائي.
ثلاثية غرناطة من الروايات التى جمعت بين الحكاية والواقع
حيث أن أحداثها لم تكن بالكامل من وحى الخيال، فقد تناولت الكاتبة فترة من التاريخ
الإسلامى تلت سقوط غرناطة ومزجت هذه الحدث الحقيقي بحكايات ليست خيالية وليس
مستبعد حدوثها، حيث أن الأفعال الناتجة عن الإنسان متوقع حدوثها فى أى مكان طالما
تواجد الإنسان، فالغضب والغِيرة والحب والبغض وغيرهم من المشاعر والأحداث ليست حكر
على مجتمع وفترة دون غيرهما.
ومن خلال هذا الإسلوب تجعلك الكاتبة تعيش مع
أهل غرناطة تفرح معهم بالإنتصارات الصغيرة وسط الأجواء المحاطه بالهزائم الكبيرة،
تجعلك من خلال سرد الحياة الإجتماعية لهم بأدق تفاصيلها معايش لهم ترى بعينهم
الأحداث وتشعر بما يشعرون به.
نُلقى نظرة بسيطة شاملة على الرواية وأحداثها
لنقف على مافيها من مزايا وعيوب، مميزات وثغرات، مستخدمين فى ذلك منهجنا البسيط
غير المتخصص فى نقد الروايات، ولا مانع فى ذلك -حسب ما اعتقد- لأن الراحله رضوى
عاشور لم تتوجه لفئة المثقفين وحدهم بهذه الرواية ولكن زخرت المكتبات العامة
بالرواية فأصبحت تُباع فى المعارض المخصصه للكتب وعلى الأرصفه وكان جمهورها من كل
الطوائف.
ضمت الرواية بين دفتيها ثلاثة روايات وهم
(غرناطة – مريمة – الرحيل ) كلهم يرجع لنفس الحقبة التاريحية ذاتها، لذا فالرواية
يدل عنوانها عليها ثلاثية لكونها تضم ثلاث روايات وغرناطة مكان الأحداث وسرح
الوقائع.
نظرة عامة:
صوّرت الرواية الحالة العامة للناس فى غرناطة
قُبيل وأثناء وبعد المعاهدة التى تمت بين آخر ملك للممالك الإسلامية بالأندلس أبو
عبدالله محمد الصغير وبين ملكى قشتالة واراجون وكان من نتائج هذه المعاهدة أن
سُلِّمَت المدينة للقشتاليين وانتهى حكم الإسلام فيها.
تعكس الصفحات الأولى للرواية حالة الشعب
وأهتمام الجميع بمصائر البلاد وما ستؤول إلية أحوالهم إن انتهى حكم الملك محمدالصغير
الأمر الذى نعى منه إيجابية ووعى الشعب الأندلسى ووقوفهم على خطورة الأحداث فلو أن
هذا الشعب لم يكن يملك من الثقافة قدر لا يُستهان به لما عوّل على المعاهدات التى
تجرى بين الملوك ولظن أن الطبقات الحاكمة فقط هى من تربح أو تخسر بسبب تلك
المعاهدات.
لقد احتوت المعاهدة على بنود تضمن للعامة من
الشعب استقراراً وأماناً على أموالهم وحياتهم ودينهم، فمن أراد أن يتاجر فليفعل
وليستمر، ومن أراد المكوث فى غرناطة وعدم الهجرة منها كما فعل بعض الأعيان فليظل
بها ولا يقلق، ومن أراد ممارسة شعائرة الدينية فليفعل ولا خوف علية، هكذا نصت
المعاهدة، غير أن الإحتلال ليست له صورة جميلة فى أذهان الناس، فليست القطبان
الذهب تجعل من السجن معنى غير المعنى القبيح، ولن يفرح العصفور بنقله من قفص حديد
إلى قفص ذهبى، كذلك كان عقل الناس من العامة والتجار فى غرناطة.
لقد تأثرت الحالة الإقتصادية فى غرناطة بعد
الإحتلال وذلك نتاج المعنى الذى استقر فى نفوس الشعب الأندلسى، فعندما كانت بلدهم
كان الجميع يعمل ويصنع ويجتهد للإزدهار والكسب موقنين أن نجاح البلد من نجاحهم
والعكس صحيح، أما الآن فلا بال يُلقى لمن
هدفه تحسين الأشياء ولا مكان للترف ولا روح فى الأشياء، لم يعد الناس مهتمين
بالجمال ومظاهر الأبّهه ولذلك كسدت التجارات التى تقوم على ذلك، وهاجر العلماء
وكبار التجار.
من ظل فى غرناطة ولم يتركها كان محتفظ
بأفكارة لم يغيرها ونجد ذلك جليّا فى الإهتمام بالتعليم خاصة تعليم البنات رغم أن
ذلك كان يكلفهم المال وهم فى أشد الحاجة إلية ورغم الحالة العامة التى لا تنذر
بمستقبل أفضل للمتعلمين، وفى الغيرة على الأعراض والحمية التى تجلت فى موقف الشباب
عندما تعرض اثنان من العسكر القشتاليين لأحدى بنات البلد فهب الشباب وانقذوها
وتعاملوا مع المحتل كما يجب وكما يملية عليهم ضميرهم وعاداتهم التى تربوا عليها
حال كانت البلاد تحت حكمهم.
لم يكن الإحتلال بالمعاهدة يختلف كثيراً عن
الإحتلال بقوة السيف، فانتشر المبشرين وأكتظت بهم الأسواق، فتارة نجد اجبار الناس
على التنصر وترك دينهم مقابل اخراجهم من السجن خصوصا لو كان لديهم جمهور وكلمتهم
مسموعه، وتحويل المساجد إلى كنائس، وتارة نجد كبار رجالات الدولة يتعلم العربية
ويرفق بالناس طمعاً فى التطبيع معهم والاندماج بهدف ازالة الهوية العربية عن
البلاد، وتارة بجمع الكتب وإحراقها بما فى ذلك من دلالة واضحة على قصد محو الهوية
والثقافة ليحل محلها هوية جديدة وثقافة جديدة، بل ووصل الأمر إلى إغلاق كل ما يمت
للعرب بصلة والنهى عن عادات ليس بها خطراً يهدد وجودهم فى البلاد، فاتخذوا
الإجراءات التى من شأنها القضاء على معالم الحضارة القديمة، وهذه أهم صور الإحتلال
فهم لم يدخلوا البلاد طمعا فى المنازل والقصور والجدران بل المحتل يريد ان يجعل
البلد التى استولى عليها قطعة من بلدة الأصلى، يحزنه جميع مظاهر الحضارات المخالفة
له، يشعر حينها أنه لم ينتصر ولم يفرض سيطرته، لذلك نقول أن الحروب لم تنهِى الى
يومنا هذا ومن بلادنا من وقع فى احتلال صريح وبدون أن يُحرك العدو دبابة واحده أو
يطلق رصاصة واحدة، إنه احتلال فكرى أو مانسمية بمصطلح يومنا الحالى (حروب الجيل
الرابع) من خلالها يستطيع المحل جعل المدينه المراد احتلالها قطعة من بلاده بل
وتصل الأمور فى بعض الأوقات إلى ان يتمنى أهل البلد أن يُحكموا بواسطة هذا المحتل
الذى سيطر على الفكر والعقل ونجح فى محو الهوية وفرض ثقافتة.
ظلّت الأندلس محتفظة بعاداتها وتقاليدها رغم
القبضة الحديدية من القشتاليين، لم يندمج الشعب مع المحتلين بسهولة، ولم تكن
قوانين المحل وعقوباتة وتنكيلة بالمخالف لها حلاً لإقصاء المجتمع الأندلسى عن
عاداته، قد تنجح فى عزو البلاد وسلب الأموال وأخذ القصور وكل ذلك بالسيف، أمّا أن
تحتل عقول وقلوب الناس وتنحى عنهم ماضيهم فهو الأصعب من المستحيل طالما كان للشعب
مع هذه الأرض ذكرايات جميلة.
ظل الإنشاد الديني مظهر من مظاهر الإحتفال
رغم محاربة القشتاليين للمنشدين، مظاهر الفرح، روح التعاون، الإحساس بالآخرين من
أهل الأندلس من البلاد المجاورة الذين قاموا بالثوارت والذين يُنَكّل بيهم من
قِبَل المحتل الغاشم، لم ينسى أهالى الأندلس من هم، ومن كانوا، لم ينسوا للحظة
مرارة العيش بدون حكم ذاتى يمثلهم مهما كان الحكم ذلك يحيد عن الحق فى بعض الأحيان.
تطرقت الكاتبة إلى المقاومة الشعبية التى
كانت موجودة آن ذاك، والتى هى ليست فى غرناطة والبيازين بشكل دائم بل ظهرت فى فى
مواقف معينه وجد فيها القشتاليون أن رجال البلاد الأصليين يداً واحدة لا يتخلى
أحدهم عن الآخر خصوصا لو كان الأمر يتعلق بالأعراض والنخوة، أما فى عدوة المغرب
ورؤوس الجبال فقد كان الشباب المجاهدين يغيرون على الجنود القشتاليين من حين لآخر
يكبدونهم من الخسائر مايتناسب مع قوتهم المحدودة ولكن الرسالة التى يريدون أن
يوصِلوها للمحتل هو أن أهل هذه البلاد غير مرحبين به فى بلادهم، وأن اليأس
والإستسلام لم ولن يعرف لهم طريق، فمهما كانت التضحيات سيجد النصر لهم سبيل.
كما لم تنكر الرواية النوع الإنسانى الذى
يعرف الحق ويخشى الجهر به، وهو على عكس ما ذكرناه فى الفقرة السابقة، كان أحد
ابطال الروايه يمثل هذا الدور ببراعه، يعرف أنهم جُناه ويسكت لعدم مقدرته عليهم
ولا على الاعتراض على ما يقولوه، يلتمس لبناته زيجات ذات نسب عالى وسلطة رفيعه
وأشياء كالغنى وبعض النفوذ ليأمن عليهم، يُشارك مؤيدين الإحتلال، ويبتعد عن
المعارضين له خوفًا من أن يصيبه ما يصيب المعارضين، ذلك النوع لا تخلوا منه محنة
ولا نائبة، يؤثر السلامة، لا نستطيع إلقاء اللوم عليه فقد يعارضه المندفعون لأنه
لم يُلقى نفسه فى التهلكة! ولكن من جانب آخر يتفق معه الكثير فالرجوع للوراء
والمحافظة على المال والنفس والأهل هو مقصد من مقاصد الدين، لقد حدث ذلك فى عهد
النبوة وأجبروا أحد الصحابة على شتم الرسول ولما اشتكى الصحابى للرسول ما فعله به
الكافرون وما أجبروه على قوله قال له الرسول: كيف قلبك؟ قال مطمئن. قالر الرسول إن
عادوا فعد، يعنى لو عادوا لتعذيبك فعُد لقولك.
لم تخلو الرواية من وجود إشارة إلى من يُنكر
أفعال القشتاليون من القساوسة والرهبان ورجال الدولة، ولم تكن هذه هى العقيدة ولكن
كان هو الغالب الذى سيطر إلى حد لم يعد التاريخ يذكر غيره، وأصبح متعلق بالأذهان
أكثر من أى شيء، لقد ذكرت الكاتبة أن قس من القساوسة الذين يعمل عندهم أحد أبطال
الرواية قد أنكر أفعال الحكومة وتصرفات رجال الشرطة والقضاء، فى موضع آخر عندما
ألتقى أحد ابطال الرواية مع أصدقاء له من بدلة أخرى من بلاد الأندلس وهى بلنسية
تقع أيضا تحت الإحتلال الأسبانى ذكر له اصدقائه أن الوضع فى بلادهم مختلف كثيراً
عن البيازين لدرجة أن رجال من النصارى النبلاء مَن قاوم التهجير والتنصير
فضلاً عن التعذيب وبسبب ذلك كان النبلاء فى صراع دائم مع رجالات الدولة هكذا يقول
اصدقاؤه.
تنتهى الرواية الأولى (غرناطة) بإحراق إحدى
أبطال الروايه لإتهامها زوراً بالقيام بأعمال السحر، ولتمسكها بالإسلام رغم
تعميدها وإظهار عكس ما تبطن، ولقد وفقت الكاتبة فى اختيار بطلة القصة لتُعدم إذ فى
إعدام النساء صورة أبلغ وإيصال أعمق للمعنى.
إيجابيات الرواية بإختصار:
لم تُهمل الرواية جانب من جوانب الحياة
الإجتماعية فى الوقت الذى حدثت فية كل هذه الأحداث، فما إن وقع فى عقلك تساؤل عن
أخبار طائفة أو أحوال الشباب أو حياة النساء أغيرهم إلا وجدت إجابة لتساؤلك فى
صفحات هذه الرواية.
كذلك التفصيل الدقيق الذى لم يُفقد فى أى جزء
من أجزاء الرواية مما يجعل القارئ يتخيل أنه من أهل البيازين، يجرى معهم فرارا من
عسكر الفرنجة ويختبئ منهم.
لغة الرواية السلسة والتشبيهات التى تقرب
المعنى مما جعل الرواية ليست صعبه على القارئ المبتدئ وليست ضعيفة بالنسبة للقارئ
المثقف.
اثبتت الرواية هدفها من تشنيع الاحتلال
وإظهار الجابت السودوى لمعاملة الاسبان للمسلمين رغم العهود والمواثيق، وإثبات ان
الاسبان لم يكن لديهم منهج تنموى ولا جاؤوا بنفس
عقلية الفاتحين المسلمين الذين كانوا يقرون العامل على عملة ما دام كفؤ له
والمزارع على مزرعته طالما يؤدى خراجها والسياسى فى منصبه إلى أن يصل لدرجه عمله
رجل من المسلمين، لقد تعلم المسلمين ما ينقصهم من علوم فى المقابل أحرق الأسبان كل
الكتب العربية وسنوا قوانين من أجل إخفاء الهوية والتعذيب والتنكيل لا أكثر.
سلبيات الرواية بإختصار:
لقد ذكرتُ أن من مميزات الرواية التفصيل
الدقيق وهو هنا أيضاً من العيوب حيث أن الكاتبة أطنبت فى التفصيل حد الملل، يندمج
القارئ فى الحدث فتأخذه التفاصيل من تركيزة ومعايشته للأحداث.
عنصر التشويق المفقود فى معظم الأوقات، فى
الروايات الناجحة كنتُ مِن شدّة جذب الرواية لى أجلس حتى أفرغ منها أما هنا كان من
السهل جدا ترك الرواية دون حتى فضول لمعرفة آخر ما آلت إلية الأحداث.
الترابط بين الفقرات مفقود فى بعض الفصول
والاحداث، وعدم منطقية الأحداث فى البعض الآخر، أقصِد هنا أننى كنتُ أجد رد الفعل
من الناس وأبطال الرواية مُبالغ فيه، ويجب أن يكون الحدث أكبر من ذلك ليتناسب مع
رد الفعل هذا كل هذا أثق أن الكثير ترك
الرواية ولم يكملها بسببة رغم ما فيها من مميزات.
افتقدت الرواية الجانب الآخر وهو العدو فكما
كانت الكاتبته تذكر الشجاع والمسالم، الأمين والخائن كان من الأفضل أن تذكر لنا
وجهه نظر وأفكار الجانب الأسبانىما يعتقدونه وما يشعرونه به ويعيشونه فى البلاد آن
ذاك.
الخاتمة:
فى النهاية لقد كانت رواية ممتعة أخذتنا
لحقائق أليمة فى تاريخنا الإسلامى، جعلتنا نتذكر ماضينا وما فيه من حضارة وحاضرنا
وما فيه من جهالة، وقفنا على حقائق العدو وبغضة الكامل لنا كجنس ودين وثقافة.
عرفنا قيمة الأرض والوطن وانهما يستحقا بذل
النفس والروح فى سبيل المحافظة عليهم، لقد أيقننا أن الموت فى ترك الوطن وليس فى
المكوث فيه مع وجود الخطر، وعينا معنى كلمة دولة وأهمية قيامها مهما كانت
التكاليف.
تمت بحمد الله
محمد عبدالغفار بدر
كان فين البحث ده وانا ف رابعه كليه مكنتش فاهمه كلمه من الكتاب المقرر 💞 بالتوفيق يارب وربنا يجعله في ميزان حسناتك ❤
ردحذفانتى اللى مجيتيش ابقي تعالى هتلاقي ابحاث بالهبل
حذف