إعلان الجامعة الفرنسية بمصر، وثقافة الغالب
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيد الخلق أجمعين، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
وبعدُ فإننا على مرّ الأيام يثبُتُ لنا كلام المؤرخين والمهتمين بالشأن التاريخي، ونتأكدُ من أنه ليس كلاماً فصيحاً ولا مجرد شعارات يتغنّى بها الكتّاب، بل هي قواعد وأُسس تابعة لعلمٍ من العلوم الجليلة والمهمة.
فتقول الناشطة السياسية الأمريكية جين فوندا: لا أعرف كيف يمكن تسمية بلاد يجهل شعبها الواقع والتاريخ بلاداً حرة!.
وقد حَوَت كلمة "حرية" بالتأكيد كُل معانا الإستقلال وعدم التبعية، ورفض الإحتلال مهما كانت مميزاتُه، وما ذلك إلا لأننا نعلمُ المعنى الحقيقي للإحتلال، فلا بد ان نقف في وجه من يُجمّلونه، ويضفون عليه معانى أخرى غير معناه القبيح.
لقد جائت الحملة الفرنسية إلى مصر، وقاومها الشعب المصري أيُما مقاومة، فانتصر في مواقع وانهزم في مواقع، وراح ضحيتها الكثيرُ من أبطال المقاومة والجيش، هذا لرفضهم الإحتلال، مع علمهم بما عليه فرنسا من تقدم وتحضّر.
وفي الآونة الأخيرة وجدنا إعلانًا على القنوات الفضائية ووسائل التواصل الإجتماعية، عن جامعة فرنسية بمصر لتعليم الثقافة الفرنسية ولغتها، إلى هنا لا يوجد أدني مشاكل، ففي ظل الإنفتاح على الحضارات والرغبة في المعرفة والإطلاع على ثقافات مختلفة لأسباب مختلفة وكل ذلك يستدعي ان تكون هناك مؤسسة معنية بتعليم كل ذلك.
ولكن الوقفة هنا مع محتوي الإعلان وكلماته، التي (بقصد أو بدون) التفتت عن هدف الجامعة في التعليم، إلى التمجيد في الحملة الفرنسية وقائدها نابليون بونابرت، معبّرين عن ذلك بجملة بها مغالطة تاريخية يقول فيها بطل الإعلان الذي يُمثّل دور نابليون: "أنا نابليون، أنا اللى جبت معايا علماء أكتر من الجنود!"
وأنقِلُ لكم كلام العلامة المؤرخ بن خلدون في مقدمته، لتعلموا سبب التفات صاحب الإعلان للتمجيد في الإحتلال، يقول ابن خلدون: ...والسبب في ذلك أن النفس أبداً تعتقد الكمال في من غلبها و انقادت إليه إما لنظرة بالكمال بما وقر عندها من تعظيمه أو لما تغالط به من أن انقيادها ليس لغلب طبيعي إنما هو لكمال الغالب.
ويكمل كلامه في ذلك ويقول: فإذا غالطت بذلك و اتصل لها اعتقاداً فانتحلت جميع مذاهب الغالب و تشبهت به و ذلك هو الاقتداء أو لما تراه و الله أعلم من أن غلب الغالب لها ليس بعصبية ولا قوة بأس لم إنما هو بما انتحلته من العوائد والمذاهب.
تغالط أيضاً بذلك عن الغلب و هذا راجع للأول و لذلك ترى المغلوب يتشبه أبداً بالغالب في ملبسه ومركبه وسلاحه في اتخاذها وأشكالها بل و في سائر أحواله وانظر ذلك في الأبناء مع آبائهم كيف تجدهم متشبهين بهم دائماً وما ذلك إلا لاعتقادهم الكمال فيهم وانظر إلى كل قطر من الأقطار كيف يغلب على أهله زي الحامية وجند السلطان في الأكثر لأنهم الغالبون لهم حتى أنه إذا كانت أمة تجاور أخرى و لها الغلب عليها فيسري إليهم من هذا التشبه و الاقتداء حظ كبير.
وضّح بن خلدون بالدليل العقلي والأدلة التاريخية صحة كلامه في اتباع المغلوب للغالب وتأثره به، وأقول إضافة لكلامه وتأكيداً على معناه وربطا للكلام الخاص به والإعلان المنشور في مصر (تم حذف الإعلان): أن المغول وهم مِن أشرس وأعنف الجيوش التي قاد حروباً في التاريخ حيث كانوا يقتلون الجميع، ويحرقون الأخضر واليابس، ولكن كانوا يفعلون شيئاً غريباً، كانوا يجمعون التجار والصناع والحرفيين والعلماء، وينقلونهم إلى عاصمة دولتهم.
فهل يصحُ أن تقوم إحدي المؤسسات بتمجيد المغول ومباركة حروبهم على العالم أجمع عامة وعلى العالم الإسلامي خاصة، وذِكرنقلهم للعلماء في مناقبهم ومميزاتهم، فيقول الممثل البطل في الإعلان: "أنا جنكيز خان، انا اللى مقتلتش العلماء ونقلتهم لعاصمة دولتي"!.
إن المحتل لا يعملُ لصالح المغلوب، ولكن وإن عمل اعمالا قد استفاد منها المغلوبين فهي ليست لذلك السبب ولكن لتسهيل إقامته وتحقيق اهدافه في البلاد التى قام بإحتلالها، فبناء المطابع مثلاًلم يكن لتعليم أطفال المصريين الطباعة ولا لتعود عليهم تلك الطباعة بالخير، بل لأهداف حملته وتسهيل تحقيقها.
كان ذلك لمحة بسيطة عن الموضوع ولنا في ذلك كلام آخر ياتي بالتاكيد في موضعة، فللموضوع جوانب أخري بالطبع.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
محمد عبدالغفار بدر
تعليقات
إرسال تعليق