فيلم صاحب المقام (الصوفية بين الحقيقة والدراما)!
السلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته، أولاً: كل عامٍ وأنتم بخير بمناسبة عيد الأضحى المُبارك، ثانيًا: إن هذا المقال تعليقاً على فيلم (صاحب مقام) وبه حرق لأحداث الفيلم لذلك وجب التنبية.
قبل أن أبدأ في التحليل أودُ أن أُهنئ الأستاذ إبراهيم عيسى على الفيلم الذي بلا شك حقق نجاحًا كبيرًا بالمقاييس الإعلامية وبالمعايير التي يُقاس بها مثل تلك الأعما الفنية، وما توضيحي لبعض نقاط الخلل إلا شهادةً مني بأن بنيان الفيلم كامل، ولكي يكتمل من جميع الجوانب لابد من النظر إليه من خلال أكثر من عين.
إن إشكالية الأضرحة والمقامات في مصر إشكاليةٌ قديمة، وصراع طويلُ ومرير بين طوائف المجتمع، ولكل طرفٍ دافعهُ العقلي أو النقلي أو العاطفي، فلا الأطراف اقتنع بعضها بفكر البعض، ولا حُلت تلك الإشكالية.
وما جعلنى أقولُ (أطراف) وليس (طرفين) هو أن الآراء الخاصة بذلك الجانب أكثرُ من اثنين! فمنهم الصوفية المعتقدين بالمقامات وأنها لأولياء حقيقيين، ومنهم المغالين في ذلك إلى حدٍ كبير قد يخرجهم من الملة فى بعض الأحيان!، ومنهم من لا يعتقدُ بها مطلقًا!.
وإنني إذ أتحدثُ في هذ الموضوع فإنني أتبنّي الرأي الذي درستُهُ في الأزهر الشريف، الذي يعظم آل البيت، والذي يعتقد بوجود الأولياء، ويعتقد بوجود كراماتٍ لهم فى حياتهم، ويرفض المغالاة في حقهم، فلا سجود لهم ولا اتخاذهم واسطة للتقرب إلى الله.
يقول الله عز وجل في ذَم الكُفّار ووصف حالهم مع آلهتهم: "وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ".
أي أن الكفار الذين لا يعبدون الله، واتخذوا من دونه آلة أخري، عندما تسألهم عن سبب كفرهم يقولون: إننا لا نعبدهم، بل إننا نتخذهم سبيل وطريق للتقرب إلى الله، نتخذهم وسيلة لكي يستجيب الله لنا، نتخذهم (واسطة) ليشفعوا لنا عند الله.
وبسبب تلك المبررات قال الله لهم في آخر الآية أنه لا يهدي من هو كاذب وكافر! وذلك لأن كل تلك المبررات والحجج واهية، فما يفعلونة مع تلك الآلهه هو عبادة لهم من دون الله.
وإذا سألنا البعض من الصوفية الذين لا يعلمون حقيقة التصوّف ولا يعلمون عنه إلا اسمه، والإنشاد والمديح والموالد عن سبب تقربهم من الأضرحة؟ سيقولون مثل هؤلاء الوارد ذمّهم في الآية الكريمة، سيُجيبون بنفس إجابة كفّار عصر الجاهلية ويقولون، نحن لا نعبد الأولياء، بل نتخذهم وسيلة ليشفع الله لنا بهم!.
وتلك الأفكار مع الزمان تطورت، ووجدنا من لا يُنادي الله، بل يُنادي الأولياء ويطلب منهم في خروج واضحٍ عن مفهوم الوسيلة، وقد ورد في الفيلم نص ذلك عندما قال العجوز الي فقد ابنه في الرسالة مِراراً: "ابني يا شافعي، ابني يا شافعي، ابني ياشافعي" بمعنى انه يطلب من الامام الشافعي أن يُرجع له ابنه!، فتطور الأمر وذلك طبيعي وسنعلمُ لماذا، وأخذ الناس يطلبون ويتضرعون إلي الأموات، بل ورأيتُ بأُم عيني من يسجد لهم! فلا حول ولا قوة إلا بالله.
إن من عظمة الدين الإسلامي أنه حرر العباد من عبادة العباد، ووجههم إلى عبادة رب العباد، فالله يقول: "وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ". ويقول في موضع: "وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ". وغير ذلك من الآيات الكثيرة التى تثبت أنه لا واسطة بين العبد وربّه.
وإنني هُنا أسالُ نفسي سؤالاً، هل عندما يكون بإستطاعتي الكلام مع الرئيس أو المدير مباشرة بدون حرج، بل وبرغبة من المدير هل عندما اُريدُ منه طلباً أذهبُ إليه أم اتخذ من السكيرتير واسطة!.
هل الله لا يسمعُ مني وأنا ساجدٌ في غرفتي الصغيرة المظلمة؟ هل لن يلتفت إليّ الله لأنني أدعوهُ مباشرةً؟. إيهما أقرب: من العبد إلى الله مباشرةً أم من العبد إلى الولي ومن الولى إلى الله!!.
هذا ما أجاب عليه إبراهيم عيسى في الفيلم، فقد قال الرجُل الذي في مسجد الحسين لآسر ياسين: "صلّي لربنا وادعي ربنا يشفيها" إذًا فهذا هو الحل (بجانب الحل العلمي والذي يقوم به الأطباء طبعًا).
ثم السؤال الآخر، هل الإنسان يستطيع أن يخدع الله عز وجل؟ بطل الفيلم في داخل الفيلم يقول عنه صديقه (أنه لا يصلي الجمعة) فبماذا ينفعه التوسل من عدمه أصلاً وهو تارك للفريضة الأهم في الإسلام والتي هي عماد الإسلام وقرة عين الرسول والفرق بين المسلم والكافر؟!.
إن معظم الرسائل التي كتبت للشافعي وكتبها المتوسلون له لم يفتحها الشافعي، ومنهم على سبيل المثال (هاجر) تلك الطلفة التي قتلها الفقر والإهمال ولم تنقذها رسالة مكتوبة بجانب ضريح الإمام الشافعي.
إن الله يسمعنا ولو عصيناه ألف مرة، ويتوب علينا ويقبل توبتنا بل ويقول الله في الحديث القدسي، انه ما تقرب عبدُ إلى الله شبراً إلا تقرب الله منه ذراعا، وما تقرب العبد إلى الله ذراعا إلا تقرب الله منه باعا، وإن اتي العبدُ ربه ماشيًا أتاه الله هرولة. وتلك إجابة لوالد هاجر في الفيلم الذي يتسائل (أنا يارب؟ تسمعني أنا؟ أنا مدمن مليش لازمة) فأقول له نعم يسمعك بل وبدون ان تمشي لترسل رساله له مع أحد أوليائه.
ثم أن الجزئية الأهمّ وهي أن محور الفيلم يدور حول ضريح الإمام الشافعي رحمة الله، صحيح؟ - بالطبع. ومن يتوسلون به هم العامة والصوفية صحيح؟ -بالطبع أيضًا.
هل سأل أحدهم نفسه عن رأي الإمام الشافعي في الصوفية من الأساس؟ فلو سأل أحدهم نفسه وبحث لوجد ما يصدمه.
فمن المعروف عن الشافعي ذمه للصوفية ولطريقتهم، فعن يونس بن عبد الأعلى قال سمعت الشافعي يقول: " لو أن رجلا تصوف أول النهار، لا يأتي الظهر حتى يصير أحمق ". وعنه أيضا أنه قال: "ما لزم أحد الصوفية أربعين يوما، فعاد عقله إليه أبدا". وقال يونس بن عبد الأعلى تلميذ الشافعي: "صحبت الصوفية ثلاثين سنة، ما رأيت فيهم عاقلا، إلا مسلم الخواص"! وكُل ذلك وأكثر موجود في المجلد الثالث من كتاب تلبيس إبليس للإمام ابن الجوزي تحقيق احمد المزيد طبعة دار الوطن للنشر.
إن كُل فكر مغلوط هو في الحقيقة يخدم بصورة مباشرة الأفكار الأشد خطورة في مجتمعاتنا، وتسويق الصوفية الخاطئة للناس ما هو إلا إبعاد لهم عن المنهج الإسلامي الصحيح الذي نزل به جبريل على رسول الله. فمن الخطورة ان يوضع الإعتقاد محل تجربة وذلك عندما قال آسر ياسين: "عشت سنين مش مصدّق، إيه المانع أصدّق دلوقت؟". وهذا اسلوب تسويق واضح للصوفية بصورتها الغير صحيحة، وبنفس المنطق فما المانع عندما تصيبني مصيبة أن اعتنق اليهودية وأقولُ: ما المانع أن أُجرِّبها. وبالمناسبة ما الذي يجعل آسر ياسين في الفيلم يذهب للكنيسة ويضيء شمعة وغير تلك الطقوس! بالطبع هو ذاك المنطق الخاطئ، يُذكرني ذلك بالفيلم الهندي P.K الذي عبد فيه البطل الله بكل الديانات والطوائف ليحصل على الإجابة.
كل ذلك بالإضافة إلى إرسائل رسائل غير مباشرة كربط السلفية بالهدم مثلاً، وكجعل الشرير وصاحب المصلحة في الفيلم يقول كلاماً صحيحا فلا يقبله المشاهد لكون دور هذا الرجل في الفيلم لا يوحي بأنه يقول صواباً.
ويستطيع من يجد في نفسه الرغبة في دراسة الصوفية الصحيحة أن يتوجّة لأي كلية شرعية من كليات الأزهر الصحيح، سيجد بالتاكيد في مكتبتها أو مقرر على طلاب السنة الأولى منها كتاباً على الأغلب سيكون اسمه (مدخل إلى دراسة الصوفية) ومن هذا الكتاب ستعرف الصوفية وستعلم منه كيف تُكمل الطريق الصحيح في تعلُمها، دون انحراف أو مغالاة.
واختم المقال بجملة أعجبتني كثيراً في هذا الفيلم وهي: "كُل م تفتح للناس شباك؛ ربنا هيفتحلك باب".
بارك الله فيكم ونفع بكم 💞
ردحذف