أنماط الشخصيات من خلال مواساتهم (التعزية والمُعزُّون).
الحمدلله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الخلق أجمعين، وعلى آله وصحبة الأطهار الطيبين، وعلى التابعين وتابعيهم بـإحسانٍ إلى يوم الدين، وبعد:
موضوعنا اليوم ونحنُ على أعتاب عام 2020م وقرابة أنتهائه هو من الاهمية بمكان يجعلني في حاجة مُلحة للحديث عنه قُبيل دخول العام الجديد. فبالإضافة إلى أن الموضوع هام عمومًا إلا أن مقتضى حال هذا العام يتناسب كثيرًا مع هذا الموضوع.
لقد فَقَدَ العالم الكثير من الأرواح الطاهرة هذا العام بسبب فيروس كورونا، وفجع الكثيرون بسبب فقدهم لأحبابهم، ولا يكاد يوجد فردٌ واحد في العالم أجمع يمضي عليه هذا العام إلا وقد حزن وبكي لموت أحد المقربين لديه (أب - أخ - أخت - مُعلم - صديق - جار - حبيب ...) لا تكاد تتصفح إحدى وسائل التواصل الإجتماعي إلا وتجد نعيٌ هُنا، وحزنٌ علي فِراقٍ هُناك، والحنينُ للماضي والذكرايات يملئ الأجواء، ومن رحمة الله بالعالمين أنه لم يجعل للدموعِ المتساقطة صوتًا، وإلا أصيب العالم بالجنون.
ومع تلك الأجواء المشحونة تكون الحاجة مُلِحَّة لقول بعض العبارات للتعزية والمواساة للتخفيف عن النفس والغير، ولتهوين المُصاب عليهم، وحثهم على النهوض والمواصلة رُغم كُل ما بهم من ألم. ومما لفتَ نظري وجعلنى أُفكر في كتابة هذا الموضوع هو أن بعض تلك العبارات تكون مؤلمة، يؤذي بها المُعزِي صديقه المُعَزَّى بدون أن يشعر. أُشيرُ في السطور القادمة إلى تلك العبارات محاولًا تناولها بشيء من اللطف؛ لكونِ أصحابها لا يقصدونها، ولكن خانتهم عباراتهم.
* أنواع المُعزين (أنواع يجب أن تنقرض).
(1) المُندهش.
وهو شخص يجعل من الأمر الحاصل بالفعل أمر كبير مستحيل الحدوث! فيتسبب ذلك في مضاعفة الألم على المُتألِّم. لأن ما تُهوله أنت وتندهش منه ويأكنه غريب، لم يعد غريبًا عند من تواسيه!
- مثال: كيف حاُلك يامُحمد؟ كيف مات والدك؟!! كيف حدث ذلك!! لا حول ولا قوة إلا بالله كييييف!!.
(2) السُّبكي/ساويرس.
يُحاول ربط التعزية والمشاعر بالماديات! فتراه وقت احتياجك للتربيت فقط، يعرِضُ عليك المال أو الأعمال، لا تجد جملة واحدة له تخلو من احدى الأمور المادية! وفي ذلك ألم على من لا يرى أمامه غير حُزنه، إن الحزين لا يُريد ما يربطه بالواقع لكونه في واقع آخر، يُريد فقط من يذهب إليه في عالمه وواقعه ويهون عليه.
- مثال: كيف حالك البقاء لله، هل تحتاج إلي المال؟ لا تحزن، لقد كان والدك صديقي هل ينقصك مال؟ كم تريد من المال؟ خذ مال؟ بالله عليك خذ مال؟ هل معك؟ كم معك من المال؟.
(3) الحزين.
وهو شخص لا يتماسك، وينهار أمام المُنهار! لإظهار حزنة ومواساته أو لرقة عواطفه، فتراه يبكي أكثر من أصحاب البلاء حُزنًا على ما أصابهم هُم! ويقول أنه حزين جدًا، ولم يذُق الطعام ولا الشراب مذ أن سمع ما حصل، وترى مشهدًا غريبًا جدًا وهو أن المكروب هو من يواسي هذا المُعَزِّي!.
- مثال: السلام عليكم *يجهش بالبكاء* لقد حزنتُ جدا جدا *يجهش بالبكاء أكثر* ... وهكذا.
(4) العشمان.
وهو شخص من فرط شهامته يتعدى خطوطه الحمراء مع من يقوم بمواساتهم، ويريد أن يجعل نفسه أحد أفراد أُسرة الذي يواسيهم، ونسي ان الحدود تبقى حدود في جميع الحالات، وأن مساحة الأشخاص الشخصية لا تتقلص في أوقات حزنهم.
- مثال: البقاء لله يا مُحمد، كيف حال أُختك الكبيرة؟ كيف حال أختك الثانية؟ كيف حال أختك الثالثة؟ ما اسم أُمك؟ ماذا ظبختُم لنا اليوم؟.. (عزيزي المُواسي... إلزم حدود أُمك).
(5) السادي.
وهو من يُكرر سبب الحُزن أمام الحزين، ويفتح آفاقًا جديدة ليتسرب حُزنٌ جديد منها إلى من يواسيه! فيذكُرُ له ما ينتظره من مآسي وآلام، ويذكره بمصابه وفقيده وما يترتب على فقدانه إياه! يذكر أمامه قسوة الحياة وأن القادم ليس أفضل بكثير من الحاضر الحزين بل على العكس هو أسوأ بكثير! فيجعل الحزين الساكت يبكى، والحزين الباكي يإنّ، والحزين الذي يبكي بصوت منخفض ينوح، ويجعل من ينوح يقف ويلطم الخدود ويشق الجيوب
- مثال: البقاء لله، لقد كان الفقيد يحمل عنكم الكثير، والآن أنت من سيحمل كل ذلك. مهمتك صعبة جدًا والخطر يحيط بك من كل الجوانب! (عزيزي المواسي... كفاك ضع عطر على أُم الجرح. ارحمنى واقتلى الآن).
(6) المُحِب للنكد.
يُذكر الحزين على فقد شخص/شيء بمزايا الشيء المفقود! ويُعدد مناقبه، مما يزيد حسرة صاحب البلوى، ويكأنه لا يرى أن الحزين حزين أصلًا بسبب معرفته لقيمة ما فقد.
- مثال: لقد كان الفقيد طيبًا جدًا، لقد كان حنونًا لقد كان جميلًا ولن يأتى الزمان بمثلة ابدًا. (عزيزي أرحمنى رحمة لوالديك، لقد أمتلئ الجُرحُ مِلحًا).
(7) الروتيني.
وهو كمن حفِظ بعضُ الجُمل وجاء ليقذفها في وجه الحزين ويكون أدَّى ماعليه من واجب! فيقول عبارة المواساة المشهورة جدًا المناسبة لهذا الموقف، والخدمات التي لا يستطيع حتى القيام بها ولكنه يقولها ضمن موضوع قد حضَّر له مُسبقًا.
- مثال: السلام عليكم، كيف حالك؟ هل أنت حزين؟ إذا لا تحزن، ولو حزنت تستطيع أن تتصل بي في أى وقت، لا تقلق سأحادثك على حسابي الخاص وساقول لك ما قلته لك الآن. وداعًا. (عزيزي المواسي .. اكتب موضوع تعبير تدعو فيه صديقك الفرنسي لحضور الجنازة).
تعليقات
إرسال تعليق