مقالات عن الدين الإسلامي ببساطة (3)
الحمدلله وكفى، وصلاة وسلامًا على عبادة الذين اصطفى، أعزّائي القُرّاء: كيف حالكم اليوم؟ أسألُ الله أن تكونوا بخير حال. نحن اليوم على موعدٍ مع المقال الثالث من سلسلة مقالات خصصتُها للحديث عن الدين الإسلامي من وجهة نظري المدعومة -بالطبع- بالمنهج العلمي السليم فى البحث، فلا أقول أن كلامي بجديد ولا أقول أنى صاحب ابتكار، ولكن أقول: إنني صاحب نظرة مختلفة للأشياء، قد أُصيب وهذا أملى وقد أُخطىء وهذه طبيعة الإنسان، ولكن في كل الأحوال، متمسّك بإختلافي، أُصححُ ما يتم مراجعتى فيه من أهل التخصص -دون حجر- وأُعيد بناء أفكاري بذات النظرة المختلفة.
وبعدُ فقد تحدثنا في المقال الأول عن مصادر التشريع الإسلامي وكيف ضمِنت تلك المصادر للإسلامِ استمراريته، وفي المقال الثاني تكلمتُ في مزيَة كون التشريعات مصدرها الله جل وعلا، وكيف بتلك المزية يكونُ الإنسان متمتعًا بحرية تفوق كل معانى الحريات، فتكليفاته من رب العالمين، وعبادته للإله العزيز الحكيم، فلا يخضعُ لشخص، ولا تتحكم فية مؤسسة، ولا يتوسّط بينه وبين خالقه أحد.
واليوم قد اخترتُ لكم مقالاً عن ذات الموضوع اتحدّثُ فيه عن مراعاة هذا الدين لطبيعة الإنسان وفطرته، فلم يأتي الإسلام بقوانين تعجيزيّة، ولا بنموذج كامل إلى حد عدم إمكانية تطبيقه لكون الإنسان خُلق وبه الخير والشر، ولكن جاء الإسلام بنموذج "واقعي" يُراعي طبيعة الإنسان.
ومن ضمن الجوانب التي أريد الإشرارة إليها جانبان:
الأول: التكليفات الشرعيّة.
الثاني: أفعال الإنسان.
إن الأصل في البُنيان هي الأعمدَة، فعليها يرتكز البنيان وتقوم البناية، وإذا نظرنا إلى أعمدة الإسلام (أركانه) وجدناها خمسةُ في العدد، العماد الأول (شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد عبده ورسوله) وهي قولُ باللسان وتصديق بالقلب وعملُ بالجوارح.
والعماد الثاني (إقامة الصلاة) وهم خمسُ صلوات فى اليوم والليلة بعد أن كانوا خمسين ثم طالب الرسول بالتخفيف على أمته واستجاب الله له وجعلهم خمسةٌ في العدد وخمسون في الأجر، تلك الصلوات الخمس سهلة في الأداء وسريعة في الوقت، فلا تحتاج للياقة وقدرات خاصة، ولا تحتاج إلى ساعات كثيرة لآدائها مما قد يعوّق سير حياة الإنسان وتعطية عن مهام حياته الدنيا، وفوق ذلك أباح الله لغير القادر على الوقوف أن يُصلّى وهو جالس، وأباح لمن لا يستطيع الجلوس الصلاة وهو راقد، فلا تعنّت ولا تشديد ولا تعويضٌ ضخم، فقد قال الرسول للصحابي عمران بن حصين عندما كان عمران مريضًا لا يستطيع الوقوف في الصلاة: "صلي قائما فإن لم تستطع فقاعدًا فإن لم تستطع فعلى جنبٍ".
ثم يأتي العماد الثالث وهو (الزكاة) فرض الإسلام ذلك الركن على أغنياء المسلمين ليكفُل لفقرائهم الحياة الكريمة، وجعل للفقير حقٌ في مال الغني، ولم يظلم بذلك الأغنياء كالأنظمة الشيوعية التى تظلم الأغنياء، ولكن جعل نسبة الزكاة في المال الخاص بالغني نسبة بسيطة لا تظر تجارتهم ولا تؤدّي إلى ضررٍ في تجارتهم بل جعلها تطهير لتلك الأموال وسببًا في نموها وزيادتها، فقال في القران الكريم: "خذ من اموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها" وجاء في الحديث الشريف: "ما نقص مالُ من صدقة" وفي الدعوة لها وترغيب المسلمين فيها قال: "داووا مرضاكم بالصدقة"، فلم يفرضها الإسلام على الفقير، ولم يُثقِل كاهلهُ بها، ولم يظلم بها الغني ويُقِعُ به الضرر.
وعمادٌ آخر وليس أخير وهو (الحج) وهو أن يقوم المسلم المقتدر ماديّا وبدنيّا بزيارة بيت الله الحرام، والقيام بمناسك الحج، وجعل الإسلام جزاء تلك الفريضة أن يغفر الله للحاج ما تقدّم من ذنبه، وأن يُرجِعَهُ إلى بيته كيومِ ولدتهُ اُمه، ولم يجعل الإسلام ذلك الركن فرضٌ على كل المسلمين عامة ومطلقًا، بل لو أن المسلم يملك مال الحج، ولدية القدرة البدنية على القيام بتلك الفريضة، ولكن عليهِ دينٌ، فالإسلامُ يقول له أن يَسُدّ دينه أولاً، وجعل الإسلام المسلم غير مضطر أن يقترض من أحد مال الحج، بل خفف كل تلك الأعباء، وجعل الكثير من العبادات لها نفس الثواب والأجر (أسألني عن تلك العبادات إن لم تكُن تعرفها) فيقول الحديث "...وحجُ البيت لمن استطاع إليه سبيلاً" إذاً فمن لم يستطع الحج فلا إثم ولا وزر عليه.
والركن والعمادُ الأخير (صومُ رمضان) لن أتحدثُ في فوائد الصوم ولا فى غاياته ولا في الأبحاث العلمية التى جعلت منه مؤخرًا نظامًا غذائيّاً لضبط الجسم والدهون ومعالجة أمراض عديدة فهذا ليس موضوعنا، وقد نُفرد موضوع آخر للحديث عن (الحِكمة من مشروعية الأحكام) ولكن يتعلق ذلك الموضوع بمراعاة الإسلام لطبيعة المسلم، وكانت مراعاته للمسلم في فريضة الصيام هي أنه أباح المريض أن يُفطِر، وللمُسافر أن يُفطر، وللمرأة الحامل أن تُفطر، ولكبار السن الذين قال لهم الأطباء أن يُفطروا، كذلك الشاب السليم القادر على الصيام ولكن طبيعة عمله تجعل الصيام مستحيلٌ عليه، كل هؤلاء وغيرهم من ذوي الأعذار الحقيقية قدّرَ الإسلام ظروفهم، ونظر إليهم نظرة رحمة وراعى طبيعة كونهم مخلوقات لها قدرات محدودة.
هذا في الكلام عن الأركان والاعمدة الأساسية في الإسلام وعليها يُقاس "كُل" تشريعات الإسلام، فما فرض الإسلام على المسلمين شيء إلا وراعى فيه طبيعتهم وفطرتهم، ورفع الحرج عن غير القادرين منهم.
الثاني: أفعال الإنسان.
وسأسردها سريعًا كى لا أكون قد أطلتُ عليكم. راعي الإسلامُ كذلك طبيعة الإنسان فى الأحكام المتعلقة بأفعاله، فالبكاء والحزن والحسرة أفعال تابعة للشعور وتلقائية، وبرغم ان الإسلام حرّم الإعتراض على قضاء الله عند موت أى عزيز ونهي عن لطم الخدود وشق الجيوب والدعوى بدعاء الجاهلية، إلا أن الرسول قال: "إن القلب ليحزن، والعين لتدمع..." فلم يجعل على الإنسان حرج فيما يخص طبيعته، كذلك الطلاق في حالات الغضب هو فعل إنساني وكلمات تلفظ بها الإنسان إلا أن الإسلام راعى طبيعته وحافظ على الأسرة والحياة، كذلك لو تعرّض الإنسانُ للإكراه والتعذيب حتي يكفر بالله أو ليقول كلمات كفر، راعى الإسلامُ ذلك ولم يُعاقب على ما تلفّظ به، وهذا ما قاله الرسول لسيدنا عمار بن ياسر عندما أجبره اليهود على سب الله ومحمد والإسلام، فأتي للرسول وهو يبكى ويقول: هلكتُ يارسول الله" فقال له الرسول: إن عادوا لتعذيبك وإكراهم، فكرر ما قُلته فيَّ وفي الدين!.
يا له من دين عظيم، يعلم طبيعة معتنقيه ويحترمها، إنّي وعند دراسة المذاهب والأديان الأخري، وجدتث عندهم ما يُنافي طبيعة الإنسان بشكلٍ فجّ، وكنتُ أقرأ وأقول: يالها من تشريعات صعبة، لا يستطيع القيام بها إلا خارق للعادة، وفي تشريعاتهم ما يظلمُ الإنسان الطبيعي المخلوق من طاعة ومعصية يفعلهما، يميل للحق تارة وعنه تارة اخرى، ويستغفر الله ويتوب الله عليه، فكيف لتلك الأديان والمذاهب أن تضع تلك التشريعات إلا أنهم وضعوها لتعجيز أتباعهم، وجعلهم طبقات، وضعوا أموراً تعجيزية ليمنحوها النخبة منهم إمكانية تنفيذها وبذلك يجعلوا الآخرين أقلَ إيمانًا لذا عليهم الخضوع والخنوع لتلك النخبة.
أقول قولى هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم، وإلى لقاء آخر إن كان في العمرِ بقيّة.
تعليقات
إرسال تعليق