فرد Vs جيش!
لطالما لعِب "الفرد الواحد" دورًا بارزًا في أحداث التاريخ عامة، وأحداث التاريخ الإسلامي خاصة؛ ذلك أن الإسلام هو دينٌ يؤمن بالفرد، ويهتم بالواحد، ويُعزز قيمة الإنسان، فانضم له كُل صاحب نفسٍ عزيزة، وآمن به كُل من له امكانيات فريدة تحتاج لمن يُقدرها ويُنمِّيها.
سمى المسلمون بإسلامهم على نفوسهم، وقدَّروا قيمة ما هُم فيه واستطاعوا بحساباتهم المنطقية أن يُقدموا أنفسهم فداء لهذا الدين، وأن يجودوا بكُل من يملكون فداًا له، وأن يُجازفوا بكُل عزيز لنصرته ورفعته.
بطُلُنا اليوم استطاع بمُفرده الدخول في جيش الفُرس، واقتحام أحصن مناطقه وأشدَّها تأمينًا وهي (خيمة القائد) فهدمها، وهرب، وتبعه أشجع ثلاثة فرسان من جيش العدو، فقتل اثنان وأسر الثالث!.
كان طُليحة بن خُويلد الأسدي في مهمة استخباراتية، لإستطلاع جيش العدو، كلفه بهذه المُهمة القائد سعد بن أبي وقاص، وأرسل معه ستة من الجنود الأكِفَّاء، وكانت المهمة هي جمع الأخبار ومعرفة المُهم من المعلومات، وأسْر رجل من جيش العدو والقدوم به لجيش المسلمين لمعرفة معلومات أكثر منه.
خرج السبعة في تنفيذ تلك المُهمة المُستحيلة، وإذا بهم يتفاجئون بجيش الفُرس أمامهم، ولن يستطيعوا تجاوزه، تشاورت المجموعة الإستطلاعية فيما بينها حول عدم امكانية تنفيذ تلك المهمة، وقرروا بالإجماع الرجوع لمُعسكرهم، إلا طُليحة! رفض الرجوع وأصرَّ على تنفيذ تلك المُهمة وحده!.
تحولت المُهمة من صعبة تصل لحد المُستحيلة، إلى مُهمة إنتحارية نسبة نجاحها لا تتعدى الـ1%. هل تتصور أن تدخل جيش العدو مُحاربًا لتعرف أخبار مهمة منه ثم ترجع بأسير! هذا ما سيُقدِم عليه بطلُنا طُليحة الآن.
درس طُليحة جغرافية المكان، وفكّر وخطط لسلك أفضل الطرق وأأمنُها المُوصِلة لجيش العدو، فرآى أن يلتف حول جيش الفرس المكون من 40.000 مُقاتل، وهذا سيكون عن طريق مستنقعات المياة، فهي الأكثر أمانًا له. بدأ طليحة يلتف حول جيش الفُرس وحده، تجاوز المُقدمة ثم تجاور منتصف الجيش، ثم كان على مرمى بصره خيمة بيضاء كبيرة، يلتف من حوالها جنود أقوياء، ومُحاطة بأمهر الفرسان وأمامها أفضل أنواع الخيول. في إشارة واضحة أن هذه -بلا شك- هي خيمة رُستُم قائد جيش الفُرس!.
ظل طُليحة واقِفًا في مكانه، ينتظر لحظة مناسبة لتنفيذ مُخططه، ومكث في مكانة حتى جن عليه الليل، وتسحَّب إلى حبال خيمة رُستم، وقطعها لتسقُط على القائد الأعلى وكبار القادة وحرسهم، وكان الغرض من هذه الحركة هي إهانة الجيش، وكسر هيبة القائد أمام الجنود، وهزيمتهم نفسيًا قبل الحرب. فما معنى أن يصل فردًا واحدًا إلى أهم مكان وأحصن مكان في الجيش ويقتحمه ويفعل ما فعل؟!.
ركب طليحة فرسة وفر هاربًا، بعد ان علم تنظيم جيشهم، وأهان قادتهم، بقي أن يأسر أحد جنودهم لتكتمل المُهمة، وعندما هرب كان يتبعه مجموعة من الجنود، وكُلما بَعُدَ عن المعسكر قلَّت تلك المجموعة المُطاردة له، حتى صار يطارده 3 فرسان فقط هُم من أشجع وأمهر فرسان جيش الفرس. وكان طليحة كلما اقترب منه الفرسان يسرع في الركض وكلما بعد عن أنظارهم، يُبطئ في الركض، ليلحقوا به. فهو في نظرهم يفر منهم، وهم في نظرة فريسة يستدرجهم.
حتي قرر أن يُواجههم. تبارز طليحة مع الفُرسان الثلاثة فقتل اثنين وصاح الثالث يعرِض على طُليحة أن يأسِرهُ ولا يقتُله، فكان طلبه ورجاؤه موافق للمُهمة؛ فأسره، وقَيَّدهُ ووضع الرُمح على ظهره وجعله يسير أمامه وذهب به للقائد سعد بن أبي وقاص لإستجوابه ومعرفة منه المعلومات التى ستفيد -بالتأكيد- جيش المسلمين.
عندما دخل الأسير الفارسي خيمة قائد جيش المسلمين "سعد بن أبي وقاص" طلب الأمان على دمه، مقابل أن يعترف بكل ما لديه من معلومات. فأعطاه سعد الأمان. فشرح الأسير أولًا ما فعله طُليحة بمُعسكرهم، وما فعله من الفارسين الذي قتلهم وكانوا أبناء عمومته، وكان الفرس يعُدُّون الواحد منهم بألف فارس. وقال: "لو كان عندكم مثله -يقصد طُليحة- فلا هزيمة لكم".
لقد أسلم هذا الأسير الفارسي بعد ذلك، وخلَّد التاريخ دور طليحة، وقد كان قبل ذلك من مدعيي النبوة، ولكن أسلم وتاب. ولكن في الباطن لقد خلَّد الإسلام دور الفرد الواحد وقيمته وأهميته. وكذلك خلد دور المخبرين والحملات الإستخباراتية وأهميتها لانتزاع النصر من العدو.
ولمزيد من القصص حول أخبار المُخبرين والجواسيس في تغيير مجرى الأحداث، اقرأ كتابي المتواضع أخبار المُخبرين تجد فيه الكثير من هذه الحكايات على مختلف العصور.
تعليقات
إرسال تعليق