الأمرُ يستحقُ أحيانًا نزعُ الجِلد!

 

الأمرُ يستحقُ أحيانًا نزعُ الجِلد!


قتل (99) نفسًا، نظر في وجه (99) شخص وقتلهم وتسبب في ترميل نسائهم وتيتيم أطفالهم، ثم ذهب إلي بيته فأكل ونام! لم يرفّ له جفن!.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، طبتم ياكِرام، كيف حالكم مع الله؟. ظننتُم أني سأتكلَّمُ عن الرحمة والمغفرة وعدم القنوط من رحمة الله، وعدم اليأس من التوبة مهما بلغت الذنوب وعظُمَت؛ فهذا هو المقام الذي طالما ذُكرت هذه القصة فيه.

ولكن لا .. ليس ذلك ما أردتُ الحيث عنه اليوم، جئتُ أُحدثكم عن (تكلفة التوبة) وبعض (ضرائب) الرجوع إلى الله، فأنت على مشارف الدخول إلي رحاب طُهر، أنت الآن في حضرة شريفة، ومقام لم تصل إليه لابُد لك من تهيئة نفسك لتتناسب مع سُكَّان هذا المقام.

صاحبُنا [القاتل التائب] في القصة فعل كبيرة من الكبائر، ولم ينصحهُ أحد، لم يُوقفه أحد ويقول له: اتق الله .. لم يمنعه أحد عن تكرار أفعالة، لم يجتمع ضده نفر من الناس بالقوة ويمنعوه!؛ مما أدى ذلك إلى تمادي صاحبُنا في أفعاله، وكرر خطأهُ الفادح عشرات المرات، بل ولكي نكونُ على معرفة أكثر بحال أهل تلك القرية التى كان يسكنها هذا الرجل، فمن العينة الخاصة بالداعية ورجل الدين، نعرفُ حال البقية!، لقد طرق رجل الدين هذا المُقبل على الله وقال له: ليست لك توبة!، هذا حال رجل الدين، فما بالكم بالبقية؟.

كان علاجُ صاحبنا أن يترك ماله، وأصحابه، وبيته، وبلده، يترك ذكراياته مع أحبابه، يترك وطنه الذي لم يفارقه ولا يعرف غيره منذُ النشأة. ياله من علاجٍ صعب!.

ولكنها الـ(تكلفة والضريبة)، فالمطلوب عظيم، ويصغر أمامه كُلُ مبذول، هو يطلب المغفرة من قتله مائة نفس! هو يطلب الرحمة وهو الذي لم يرحم أحد، هو يطلب جوار الله عز وجل، فكان كل شيئ في سبيل ذلك هيِّن، وكل التضحيات لا تساوي نظرة رحمة من الله لقلب هذا الحيران.

الموت مقابل الحياة! تلك هي المعادلة التي قصدتُها من عنوان "الأمرُ يستحقُ أحيانًا نزعُ الجِلد!".

لابُد أن تقضي على الجانب السيء منك، أن تُنهيه، تتخلص منه بنزع جلدك القديم، ثوبك الذي عصيتُ الله فيه، أصدقائك الخادعون الذين رأوك على الذنب وسجعوك بل وجعلوك بينهم "عاديًا" ولم يُشعروك بفداحة ماتفعله، وطنك الذي لم تجد فيه من يمد لك يد العون ويأخذك إلى الله، عملك ووظيفتك التي جعلت منك سيئًا. كل هذا هو الجلد الذي يجب أن تنزعه منك.

أمرٌ مُؤلم! سأكونُ وحيدًا، لا وطن، لا عمل، لا أصدقاء، لا أهل، لا أماكن تربيتُ فيها وصارت جُزءًا مني! كيف سأعيش.

أقول لك: ستعيش، ستحيا الحياة الحقيقية، وتسعد السعادة التي لم تعرف معناها من قبل، سيحدثُ ذلك بعد الألم، بعد أن تُري نفسك منك ما تستحقُه، وبعد أن تُري الله حقيقة صدق نواياك.

وهناك تشبيه يضع أمامنا المعنى المقصود، ويُركزُ على هدفنا أكثر..

إن الصقر [وهو من الجوارح القوية] عندما يصلُ إلى سن الأربعين من عمره يُصبحُ هزيلًا جدًا، فتكبُرُ أظفاره القوية وتعجز ولا يستطيع الإصطياد الجيد بها، ويُعوَجَّ منقارة ويصبح خشنًا لا يستطيع الأكل الجيد به، أو قد لا يستطيع الأكل أصلًا، كذلك وريشه الخفيف الذي يُساعده على الطيران، هو أيضًا يخونه ويصبح ثقيلًا!.

الصقر يموت بالبطيء ..

ولكن هناك عادة يفعلها الصقور، مُجازفة خطيرة قد تودي بحياتهم!.

الخطوة الأولي هي الإبتعاد عن الأنظار والإختفاء، ثُم بناء عش عالي جدا على أحد النخيل، ويبدأ الصقر بعدها بتحطيم منقارة حتى يتلاشى، ثُم يظل يأكل الطعام الخفيف الذي بالكاد يستطيع أن يتناوله، ينتظر إلى أن ينشأ له منقار جديد قوي بعدها يبدأ في نزع مخالبه، حتى إذا أزالها من جذورها وخرجت له أُخرى، بدأ في نزع ريشه كليًّا، والمكوث في المكان الذي جهز فيه طعامه وشرابه إلى أن يظهر له ريشُ جديد!.

هل تتخيل مدى الألم الذي يعانية الصقر؟ وهل تعلم أن هذا السلوك الذي يفعله الصقر إن نجا منه فإنه يمنحه 40 عامًا أُخرى يعيشها قويًا؟!

الصقر رأى أن الأمر يستحقُ التضحية والمُجازفة، كما فعل القاتل التائب، وغيرهم الكثر ممكن تمتعوا بعقلٍ سليم، علم أن كل ما دون الله باطل، وأ، الله هو الحقيقة الوحيدة، وأن الحياة امتحان واختبار، وإننا وبلا شك ذاهبون، فعملوا من أجل الدار الحقيقة، وضحُّوا لأجل ذلك بكُل غالٍ ونفيسٍ قد يعيق مسيرتهم إلى الله.

اترك صُحبة السوء فلا خير فيهم، اكسر رقم هاتفك الذي يجلب لك المعاصي، بدل محل إقامتك الذي يأتيك من خلاله من يسحبونك إلى غير الله، انزع جلدك لو لزم الأمر.

أعلم أن ما أقوله ليس بهذه السهولة، وأعلم أن سبب عدم سهولة التغيير هو أن "نفسك" ألِفَت واعتادت (المعصية - الراحة - الحزن - الإكتئاب - فقدان الشغف)...إلخ ما ينغص عليك حياتك، وبجانب اعتيادها تلك الأشياء يكون هناك "خوف دفين" بداخلك من أى تغيير قد تُقدِم عليه

ولكن أقول لك عن علم: تألَّم.. فالأمرُ يستحق.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الدولة الوطاسية (الوطاسيون) || تلخيص من كتاب: الاستقصا لأخبار المغرب الأقصى لشهاب الدين السلاوي

تاريخ الأسكندرية وحضارتها فى العصر الإسلامي حتى الفتح العثماني || تلخيص لكتاب الدكتور السيد عبدالعزيز سالم

تاريخ الدولة الطاهرية | أول الدويلات المستقلة في الدولة العباسية.