عقلية تاجر || (1) || "خلاصُك بين يديك".
تركتُ له "قائمة الأسعار" فأخذها ووضعها في درج المكتب، وتحدثنا قليلًا في أمور هامة وغير هامة. لم يترك لي مجال لقراءة الأسعار أو توعيته بالمُنتجات، أحسن ضيافتي وأحسن تخزين القائمة الخاصة بالأسعار.
مرّت الأيام ومع مرورها كانت تجارته تتتعرض للتقلص، والإنكماش، جلس يُفكّر كثيرًا ... ما الذي حدث لتجارته؟ لماذا لا يربح كالسابق؟ لماذا غيره ممن هم في نفس منطقته متميزون عنه؟.
هداه تفكيره إلى: القيام بعمل دراسة للسوق، يكتب المنتجات الرائجة والأسعار المناسبة لها, يُفضِّل شركة عن أُخرى، يُقدم هذا ويؤخرُ تلك، حتى استقر على الشركة الأكثر طلبًا في السوق، وأخذ القرار بالتعامُل مع هذه الشركة.
بحث هذا التاجر كثيرًا عن مُمثل لهذه الشركة، عن مسؤول مبيعاتها، عن قائمة أسعارها، عن الأسعار الخاصة بالتُجار.
بعد الكثير من الجُهد المهدور، والوقت المبذول، والمال المجهولة سبل الوصول إليه، والسعادة التي غابت عنه كثيرًا بسبب الضائقات بجميع أنواعها، أخذ يرتُب أوراقه ويجمع المتفرق منها، فإذا بقائمة الأسعار التي تجاهلها سابقًا!.
هذه هي .. وجدتُها .. كانت بين يدي ..
كان هذا التاجر ُ كُلنا أو أغلبُنا! كُلنا نبحث في كل شيء، ونطرق كل الأبواب، بحثًا عن "الحقيقة - السعادة - الإطمئنان - الرضا - الغنى ..."الخ.
أوليس في بيتنا كتابُ الله؟ أوليس في سيارة كل منا "القرآن الكريم" أوليس على هواتفنا كتاب الله الكرم؟!.
أتى لنا به النبي صلى الله عليه وسلم، منذ ألف وأربعمائة سنة، موجودٌ في بيوتنا نحملُهُ في جيوبنا ومراكبنا، ولكن لا نعرف قيمته!.
مَن أعلمُ بالمصنوع من الصانع؟ مَن أدرى بالمخلوق مِن الخالِق؟! أنزل إلينا الكتاب فيه {تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ}.
وفي حديثٍ عن سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: أما إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {ألا إنها ستكون فتنة، فقلت: ما المخرج منها يا رسول الله؟ قال: كتاب الله، فيه نبأ ما كان قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، وهو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، هو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق على كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، هو الذي لم تنته الجن إذا سمعته حتى قالوا: إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ، من قال به صَدَق، ومن عمل به أُجِر، ومن حكم به عَدَل، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم}.
فيه نبا من كانوا قبلنا لتكون لدينا الخبرات والتجارب العملية، فنأخذُ بما جعلهم سادة، ونترك ما وقعوا فيه. وفيه خبر من سيأتي بعدنا لنأخذ حذرنا ونثق فيما بين أيدينا من قوانين حملها لنا. وفيه حكم ما بيننا لكي لا نُفني وقتنا في الجدال والمشاكسات، وتضيع روحنا وطاقاتنا في غير ما جُعلت له.
فعن ابن مسعود رضي الله عن أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن هذا القرآن مأدبة الله، فتعلموا من مأدبته ما استطعتم، إن هذا القرآن حبل الله, وهو النور المبين، والشفاء النافع, عصمة لمن تمسك به، ونجاة لمن تبعه، لا يعوج فيقوم، ولا يزيغ فيستعتب، ولا تنقضي عجائبه، ولا يخلق عن كثرة الرد، فاتلوه فإن الله يأجركم على تلاوته بكل حرف عشر حسنات...}.
خلاصُك بيدِك ,, فلا تُكثر البحث. بابُ الله امامك فلا تُهِن كفَّيك بطرق باب غيره.
اللهم إني بلغت .. اللهم فاشهد. اللهم أحسن خاتمتي.
- محمد عبدالغفار بدر (رمضان 1442هـ).
تعليقات
إرسال تعليق