مُلخص رسالة الماجستير | الدبلوماسية خلال العصر العباسي الثاني | الباحث مُحمد عبدالغفار بدر
الحمدُ للهِ الذي أنزلَ الرُّسْلَ بالبينات،
وأنزلَ معهم الكتابَ والميزانَ ليقومَ الناسُ بالقسط، وبعثَ مُحمدًا - ﷺ - على
فترةٍ من الرسل، بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، فبلَّغ
الرسالة، وأدّى الأمانة، ونصح للأُمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين،
فكان نبيَّ المرحمة، ونبيَّ الملحمة، وسفيرَ السماءِ إلى أهلِ الأرض، وقدوةً لمن
اتبعه بإخلاص إلى يوم الدين.
وبعد .. فقد حفلت المصادر الأولى للتشريع
الإسلامي: القرآن والسنة بكثير من النصوص التي أرست قواعد منهج رشيد للتعامل مع ما
يتصل به حكم البلاد من سياسات داخلية وخارجية. وبذلك، تكون قد سبقت الكثير من المؤلفات
المعروفة اليوم حول قوانين الحروب واتفاقيات السلام، بل والأدهى من ذلك، أن هذه
القوانين والإتفاقيات لم تكن نتاجًا محضًا تفتقت عنه العقول الغربية، وإن كثيرًا
منه لمستخلصٌ من كتب الجهاد والسير العربية.
وفي سبيلِ تطوير ذلك، وجَّهتْ طائفةٌ من العلماءِ
والباحثين المسلمين المتأخرين عنايتَها إلى الدبلوماسية التي هي "وسيلة
سياسية تهتم بتنظيم وتوجيه العلاقات الداخلية والخارجية للدولة، بهدف مراعاة مصالحها
وتحقيق أهدافها عن طريق استخدام كافة الطرق والوسائل الممكنة"، وصرف هؤلاءِ العلماءُ جهدَهم إلى بحثِ مواطنِها.
فلما جاء البحث العلمي الحديث، بفروعه
وتخصصاته المعروفة، انصرف الباحثون إلى البحث والتنقيب في هذه العلوم والمعارف الحديثة،
واستخراج المواقف الدبلوماسية التي شهدتها العصور الإسلامية المختلفة.
وقد توافرت عددٌ من الدراساتِ المختصَّةِ بالدبلوماسية
في العالم الإسلامي، فهناك من تناول الدبلوماسية في عصر النبي -ﷺ- وهناك دراسة
تبحث الدبلوماسية في عصر الخلفاء الراشدين، ودراسة تبحثها في العصر الأموي، وأخرى تبحثها
في العصر الأول من الدولة العباسية.
وما أن اطلعتُ عليها جميعًا حتى وجدتُ في
نفسي رغبة في استكمال ما بدأه من سبقوني، وودتُ أن أضيف حلقة إلى تلك السلسلة
الممتدة، فشرعتُ في دراسة تبحث الدبلوماسية في العصر العباسي الثاني 232-334هـ/
847-946م.
انتهى العصر العباسي
الأول بوفاة (الواثق بالله) وتولي (المتوكل على الله جعفر)، وبدأ معه عصر جديد من
عصور الدولة العباسية أطلق عليه المؤرخون (عصر نفوذ الأتراك)
تمييزًا له عن العصر العباسي الأول الذي عُرف (بالعصر
الفارسي)، وامتد العصر العباسي الثاني قرابة المائة عام، وهو موضوع الدراسة.
هذا وقد أردتُ من
بحثي للدبلوماسية في هذا العصر: أن أقف على مدى تحقق الدبلوماسية في مثل هذه
الفترات، من حيث أهميتَها وجدوى استخدامها ونتائج إغفالها.
وفي سبيل الوصول
للحقائق التاريخية دون ميلٍ أو هوى، بمنهجية وموضوعية سليمة محايدة، اقتضى البحث
أن أستخدم المنهج التاريخي بأدواته (الوصف والتحليل والنقد والبناء).
وقد قسَّمْتُ البحث إلى تمهيد وثلاثة فصول
وخاتمة، تليها الملاحق ثم قائمة المصادر والمراجع.
أما التمهيد:
فقد تناولتُ فيه تعريف المفاهيم البحثية وتطور الدبلوماسية. فبدأتُ بالتعريف اللغوي
والإصطلاحي للدبلوماسية وتعريف المصطلحات ذات الصلة بها، ثم التعريف الإجرائي للدبلوماسية.
وضم التمهيد كذلك تطور الدبلوماسية وموقف الإسلام منها، وذلك منذ فجر الدولة
الإسلامية، فتناولتُ بإيجاز، الدبلوماسية في عهد النبي - ﷺ، ثم في عهد الخلفاء الراشدين، ثم في فترة الخلافة الأُموية إلى الدبلوماسية
في العصر العباسي الأول وهو ما قبل فترة البحث.
وفي الفصل الأول
وعنوانه: موقف الدبلوماسية الإسلامية من العناصر الداخلية للمجتمع، فقد قسمتُهُ
إلي عنصرين، تناول العنصر الأول مدخل إلى دراسة العصر العباسي
الثاني، وفيه التعريفٌ بخلفاء العصر العباسي الثاني، وطبيعة العصر العباسي الثاني
وخصائصه. وفي العنصر الثاني من الفصل الأول، تحدثتُ عن الدبلوماسية وتعامل
خلفاء العصر الثاني مع عناصر المجتمع الداخلية، وهم القادة الأتراك، والعلويين، وأهل
الذمة، وأخيرًا دبلوماسية الخلفاء مع العامة.
أما الفصل
الثاني وعنوانه: دور الدبلوماسية العباسية في الحفاظ على الجبهة الإسلامية
الداخلية فهو أربعة عناصر، يتكلم العنصر الأول عن الدويلات المستقلة،
بداية ظهورها وآثارها على الدولة وفيه أسباب ظهور هذه الدويلات، ثم آثار قيام هذا
النوع من الدويلات على الدولة العباسية. ثم يأتي العنصر الثاني تحت عنوان
الدبلوماسية بين الدولة العباسية في عصرها الثاني والدويلات المستقلة (دولة الأغالبة،
والدولة الطاهرية، والدولة الصفارية، والدولة الطولونية، والدولة الإخشيدية،
والدولة السامانية، وأخيرا، الدولة الحمدانية). وفي العنصر الثالث تحت عنوان
المؤسسات الدبلوماسية في العصر العباسي الثاني، ذكرتُ ديوان الرسائل، ثم ديوان
الفض، ثم ديوان الخاتَم، ثم ديوان التوقيع. يأتي العنصر الرابع تحت عنوان
تبادل الهدايا والهبات واستقبال الوفود ومراسم الإستقبال الخارجية. وجرى الحديث عن
الهدايا والهبات قبل العصر العباسي الثاني، والهدايا والهبات في العصر العباسي
الثاني.
وأما الفصل
الثالث وعنوانه: دور الدبلوماسية العباسية في مواجهة الأخطار الخارجية. فقد جاء
في عنصرين: العنصر الأول بعنوان
العلاقات الدبلوماسية بين المسلمين والروم قبل العصر العباسي الثاني. والعنصر الثاني
بعنوان الدبلوماسية بين الدولة العباسية في عصرها الثاني والدولة البيزنطية، وجرى
الحديث فيه عن المراسلات والسفارات، ثم الفداء وتبادل الأسرى.
ثم تأتي بعد ذلك الخاتمة،
وتضمنت أهم النتائج التي توصلت إليها الدراسة واستنبطتُها من بين ثنايا
البحث وهي:
ü اتضاح الأهمية الكُبرى للدبلوماسية داخليًا في الحفاظ على وحدة المجتمع، وحل الأزمات، والتصالح مع المعارض إن جنح للصلح، واسْتِخْدَامِهِ لمصلحة الدولة، وعدم التمادي في العداء معه، والمحافظ على وجود باب يرجع منه الخارج على دولته لُيصحح خطأه، وخارجيًّا في رد الأسرى إلى ذويهم وإفساح المجال لكل الدول المستخدمة للدبلوماسية لتفقد أمورها الداخلية والتفرّغ لحل أزماتها والقضاء على من ينخر في عصبها بهدف إنهائها.
ü أوضحت
الدراسة أثر الدبلوماسية على الحالة الإقتصادية، فبالتوازي مع حسن اختيار العمال،
والإشراف عليهم لتحقيق الأمن والأمان والإستقرار الإقتصادي للدولة، لابد أيضًا من
الإهتمام بالجانب الدبلوماسي الذي لا يقل أهمية عنه.
ü تظهر
الدبلوماسية وأهميتها في العصور القوية، ولكن بعد تلك الدراسة تظهر أهميتها
وقيمتها أكثر في عصور الضعف، فأن كانت الدولة بحاجة إلى الدبلوماسية في فترات
قوتها لتوطيد حكمها، فحاجتها إلى الدبلوماسية في فترات ضعفها أكثر، للحفاظ على ما
بين يدها من ممتلكات، وللحد من تفاقم المشكلات وتقليل الخسائر المتوقعة.
ü علم
وفن الدبلوماسية يتصل بعلم وفن التاريخ اتصالاً مباشرًا، حيث أن التاريخ يخدم هذا
العلم بإمداده بالتجارب التي خاضتها الأمم السابقة ونتائجها، والتي على أساسها
يبني علم الدبلوماسية أُسسه وقواعده.
ü اهتم
المسلمون منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم بالدبلوماسية ومارسوها وكانت لهم
بصمتهم القوية والفريدة، التي تعزز من مكانة هذا الدين وهذه الدولة؛ فكان لهم
العديد من المؤلفات في فن وسياسة الإستقبال والحديث والتفاوض وغيرها، وهو ما يعرف
اليوم بـ "البروتوكولات السياسية".
وأخيرًا.. لا يسعنى إلا أن أتقدم بأسمى آيات
الشكر والعرفان بالجميل إلى أُسْتَاذَتِي، الأستاذة الدكتورة/ تيسير
محمد محمد شادي، أستاذ التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية المساعد بكلية الآداب
جامعة دمنهور، وذلك لتفضلها بقبول الإشراف على هذا البحث، ولما منتحتني من كثير
النصح والتوجيه والإرشاد، وتكبد عناء المراجعة والتصويب، وإضافة الملاحظات التي جبرت
كل نقصٍ عجزتُ عن إكماله، فكانت نعم الموجه لي طيلة فترة بحثي، وقد أفادتني بعلمها
ومعرفتها وأمدتنى بالمراجع الهامة من مكتبتها الخاصة، فإن كان في هذا العمل من جد
وتميز وتجديد فهو بفضل توجيه سيادتها، فشكرًا لكم أستاذتي وجعل الله هذا العمل في ميزان
حسناتكم وتقبله في صالح أعمالكم.
ثم إلي أستاذي العزيز
الدكتور/ ماهر السيد محمد أبو السعيد، مدرس تاريخ العصور الوسطى بكلية الآداب
جامعة دمنهور. على ما منحنى من نصح وإرشاد وأفكار ساهمت في إخراج هذا العمل على
أكمل وجه، وتجنُب الكثير من المثالب. فلسيادته مني جزيل الشكر، متعكم الله بالصحة
والعافية، وجعل ما تقدمونه لطلاب العلم في ميزان حسناتكم.
ولا يفوتني في هذا
المقام أن أقدم باقة شكرٍ وتقدير إلى لجنة المناقشة الموقرة، وعلى رأسها الأستاذة
الدكتورة/ نعمة على مرسي محمد، أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية وعميد كلية دار
العلوم الأسبق بجامعة المنيا، وذلك لتكرمها بالموافقة على مناقشة هذا البحث والحكم
عليه والتي تكبّدت عناء السفر والقراءة
والإطلاع لتمحيص وتدقيق هذا العمل، وبذل الجهد والوقت؛ لإبداء التوجيهات والنصائح
والملاحظات، وعدم تأخر سيادتها عن تقديم أي عون أو مساعدة من شأنها إخراج هذا
العمل في أجود صورة.
والشكر موصول إلى أستاذي القدير ومُعلمي الأُستاذ الدكتور/ إبراهيم محمد على مرجونة، أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية ورئيس قسم التاريخ بكلية الآداب جامعة دمنهور، وذلك لقبوله مناقشتي وإبداء الملاحظات القيمة، وتحمُّل مشقة القراءة والفحص والتدقيق للحكم العلمي على هذا العمل، وقد شرُفتُ بالتعلُّم على يديه في مرحلتي (التكميلي و التمهيدي) فعرفته عالمًا متواضعًا، يَسْعَدُ بمساعدة طلاب العلم، فجزاه الله عنى وعن زملائى خير الجزاء، وأمدَّ الله في عمره، وأدام عليه الصحة والعافية.
كما لا يفوتني أن
أتقدم بخالص الشكر لزملائي وأخواني باحثي قسم التاريخ والحضارة الإسلامية بكلية
الآداب جامعة دمنهور، على دعمهم لي ووقوفهم إلى جانبي في أثناء مناقشته، فلم
يقصروا يومًا في تذليل الصعاب أمامي، فنعم الإخوه هم، ولا أملك سوى الدعاء لهم
بالتوفيق في حياتهم العلمية والعملية.
كذلك لا أنسى ما
حييت فضل أولئك الذين صنعوني، وأنا أقف هنا اليوم بفضل ما بذلوه من أجلي، وإن كان
كل الكلام لا يفي شكر معروفهم ولا يحمد نعمة وجودهم، لكن هل جزاء الإحسان إلا
الإحسان، وإن من الإحسان أن أهدي هذا العمل:
إلى رجل لا يصفه
الكلم، بل تترقرق العبرات في عيني إذ جال في خاطري ذكراه، إلى رجل علمني كيف تُدار
الحياة بحكمة وأن الشدائد تصنع الرجال، وكم تمنى هو ورجوتُ أنا أن يكون حاضرا
اليوم شاهدًا على هذا الإنجاز العلمي، لكنه لحق بربه في أثناء إعداد هذا البحث، إلى
روح والدي المغفور له بإذن الله فضيلة الشيخ/ عبدالغفار عبدالعاطي بدر..
ثم إلى تلك التي
يقصر عن وصف فضلها اللسان، ويعجر عن رد جميلها الإحسان، إلى أمي.. حفظها
الله ومتعها بموفور الصحة والعافية..
ثم إلى أخواتي
اللاتي كن عونًا لي، فلم يبخلن على بأي نوع من أنواع الدعم والمساعدة، وتحملن انشغالي
في البحث عنهن، فلهن كل الشكر والتقدير، وأسأل الله لهن التوفيق لما يحبه ويرضى.
وختاما...
فإن كل عمل بشري لابد أن يعتريه ما يعتريه غيره من النقص والخطأ، وأن الإنسان مهما
عاش فإنه يتعلم، ولا أدعي كمالاً ولكن أحاول جمع متفرق وتذليل المعاني المعقدة،
وأُقر بأن الفضل والخير بيد الله، وأنه بكل جميل كفيل، وهو حسبي ونعم الوكيل.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
تعليقات
إرسال تعليق