أكـبر عائلة في العـالم!

الحمدلله رب العالمين، الحمدلله الذي أمر المسلمين بالتعاون لتحقيق كُل مُراد، والتكاتُف لنشر المُستفاد، القائل في محكم الكتاب: "وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ". اللهم صل على سيدنا محمد، واجزه عنا خير ما جزيت نبيًا عن اُمته، ورسولًا عن دعوته، واجعلنا "جسدًا واحدًا" كما شبهنا وقال في الحديث الشريف: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى". وبعد:

تحدثتُ في أربعة مقالات سابقين تحت عنوان "لك عزيزي الباحث" عن الشغف الصحي، والدافع، وزاد الطريق، والإبحار. تستهدف كلها طالب العلم الحقيقي، الذي لا يبحث إلا عن الحقيقة، يدور معها حيثُ دارت، يستأنس بالكتاب، ويستلذ بالمسائل والتحقيقات، ويفرح بالنتائج ويتوق لاستكمال البحث في التوصيات. وكنتُ قد أشرتُ في آخر مقالة أن السلسلة تبقى لها مقالة واحدة. إلا أن شغلني عن كتابتها ما اللهُ أعلمُ 

https://www.facebook.com/MoBdrOfficial

واليوم أتحدث في موضوع جميلٍ. في زمانٍ عز فيه الصديق الحق، وقل فيه الحبيب المخلص، واصبح الإنسانُ منَّا في حاجة لعضُد وسند، يتكئ عليه ويكون له فيه مآرب أُخرى. وفي سبيل البحث عن ذلك الرفيق يقعُ الكثير في فخ الذئاب، والمنتفعين. الذين يُظهرون لك عكس ما يُبطنون، ولا يعطونك إلا إذا كانوا يحتاجون منك. 

إلا أن في ظل ذلك الزمان الغريب، والعالم الموحِش. تجدُ عائلة هنيئة، مُرتاحة البال، سعيدة القلب. يتحدثون كثيرًا دون ملل، يخدمون بلا أمل، تراهم فتعرف من كبير الشبهه والتآلف بينهم معنى كلام النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال: "الأرواح جنود مجندة". حديثهم غير مفهوم إلا بينهم، لا يعلم عنهم الناسن لأنهم يحملون شخصيات وأسماء ووظائف تتلائم مع العالم المادي، إلا أنهم وفي حقيقتهم ينتمون لعالم آخر.

عدد تلك العائلة كبير جدًا، منتشرون في أكثر من دولة، يحملون أكثر من جنسية، ويتكلمون بأكثر من لسان، أعمارهم مختلفة ومقامهم متفاوت إلا أن ذلك يذوب بينهم لأن السمة الأولى هي احترامهم جميعهم لبعضهم، لا ينتمون إلا إلى تلك العائلة. لا خلافات سياسية تُفرِّق ولا مذاهب تُشتت، ولا دين يُميز.

تلك هي عائلة "طُلاب العلم" عائلة حقيقية بكل ما تحمل كلمة العائلة من معنى. يجمعهم الشغف وحب العلم، يتفقون فيما بينهم ويحتكمون لقواعد البحث العلمي، يحترم كبيرهم صغيرهم بقدر تواضع كبيرهم، وانحناءه على صغيرهم، لا حدود جغرافيه تمنعهم من صلة الرحم، ولا عقبات.

إن أول قاعدة تعلمتها في رحلتي العلمية كانت تقول أن عينين تبحثان لن يصلا إلى ما يمكن الوصول له لو كانا أربعة أو ستة أو ثمانية. يوصي الأستاذ الدكتور طُلابه بالتعاون. هذا جيدُ في البحث وهذا جيدٌ في الكتابة، وهذا جيد في الأمور التقنية وهذا في كذا وهذه في كذا. فكان من الرائع أن يخرُج عملٌ به كل تلك المهارات.

لم اهتم كثيرًا بهذه القاعدة، وانكببتُ فترة على بحثي، أُجاهد في الوصول لمرجع وفهم فقرة وتفسير كلمة وترجمة مصطلح، ثمُ ذهبتُ اشكو لأستاذي ما حل بي من تعب، فقال لي: خذ هذا الرقم وهو خاص بأختك الدكتورة فلانه. وهذا الرقم خاص باختك الدكتورة فلانة. تحدث معهم في وقت مناسب، واشرح لهم صعوبات دراستك، وستجد عندهم ضالتك. فقلتُ: ياكتور أنا استحي من أن اطلب من احد شيء. فأجابني بأصدق قاعدة وهي: "العلمُ رحمٌ بين أهله". 

فكرتُ وقلتُ في نفسي: هل أجدُ حرجًا في الإتصال بوالدي، أختي، عمتى، خالتي! بالطبع لا؛ لأنهم رحمي وأقاربي. كذا الأمر بين طلاب العلم. وجدتُ ممن سبقوني بالإنضمام لتلك العائلة الشريفة، ذات النسب الرفيع، ما أجده بين عائلتي التي لي معها صلة دم.

هذا استاذ دكتور ويقف معى وقتًا طويلاً، وهذا دكتور يتصلُ بي ليطمئن عليَّ لا أكثر، وهذه الدكتورة تمدني بالمصادر والمراجع ليس عندما أطلُب فقط ولكن كُلما وقع أمام عينيها بحثًا أو كتابًا يُفيدُ دراستي. هذا أخي الدكتور من بلاد المغرب يحدثُني بالساعات، وآخرُ من الأردن يقرأُ لي كتبًا لم أجدها في مصر، وهذا أخي المسيحي الذي يعمل في البطريركية الكلدانية Chaldean Patriarchate يقوم بإمدادي بالمصدر المتواجد فيه معلومة بحثُ عنها كثيرًا، هؤلاء اخوتي في محافظات مصر كلها، يقومون بإرسال الكتب لي عندما احتاجها دون أن اضطر للسفر وتكبد مشقته، يُنجزون لي، ويرشدوني عندما أحيد، يدعون لي ويتفقدوني عندما أغيب.

هذه مواقف من مئات حدثت معى شخصيُا في رحلة قصيرة لم أصل حتى أشرحها بالكامل، ولكن اردتُ أن أقول شكُرًا لمن لا يفى كل الشكر حقهم. واُرشد من لا يعرفون قيمة عائلتهم وإمكانياتها. اقول لهم: أن العلم بيت والمسأله بابه، فلا تجعلوا خجلكم يمنعكم من طرق باب أقاربكم، فوالله ما وجدتُ أسعد من طالب علم يُساعد أخاه. يسعدُ المُساعِد سعادة أكبر من سعادة المساعَد، ويهتم كثيرًا دون أن يحس بأي  ضغط أو عبئ، وهذه والله حقائق لمستُها وأنا مبتدئ فيمن ساعدوني. وأحسها الآن عندما يطلُب مني أحد إخوتي مساعدة سواء في المادة العلمية أو في الأمور الإدارية وغيرها. وسأظل بإذن الله استعين بهم ويستخدموني إلى نهاية عُمري. فهم القوم لا يُرد سائلهم. وهم الكِرامُ لا تُحصى فضائلهم.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الدولة الوطاسية (الوطاسيون) || تلخيص من كتاب: الاستقصا لأخبار المغرب الأقصى لشهاب الدين السلاوي

تاريخ الدولة الطاهرية | أول الدويلات المستقلة في الدولة العباسية.

تاريخ الأسكندرية وحضارتها فى العصر الإسلامي حتى الفتح العثماني || تلخيص لكتاب الدكتور السيد عبدالعزيز سالم