الله الحبيب || نظرة مُختلفة

 الحمدلله رب العالمين، الحمدلله حبيبُ العارفين، القائلُ في مُحكم التنزيل: "ياأيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم".

والقائلُ في حديثه القُدُسيّ الذي تحدثنا عنه في المقال السابق: "...وأهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي، إن تابوا إليّ فأنا حبيبهم".

وفي حدثٍ قُدُسيٍّ آخر قال جل وعلا: "...ولا يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشى بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه".

والصلاةُ والسلام على من جاء بدعوة الحُب، وبدين الحُب، وعامل الله، وأهله وأصحابه وأعدائهُ بحُب، القائلُ في حديثِهِ: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين".

الله الحبيب || نظرة مُختلفة
الله الحبيب || نظرة مُختلفة

بعد أن عرفت عزيزي القارئ أن الله هو طبيبك، أودُ أن أُخبرُك شيئًا آخر عن الله الذي قد لا تعرفُه.


الله يُحبُك، ولا يقبلُ منك إلا أن تعبدُهُ بحُب، فلا خوف ولا تعصب ولا تشدد، ولا عبادات ثقيلة على البدن أو الروح.


تعصيه فيستُرَك؛ لأنه يُحبك. تنساهُ فيرُدُّك إليه بأزماتٍ يبتليك بها. يُلهمُك الإستغفار فتستغفره فيغفر لك؛ لأنه يُحبك.

عندما ارتدَّ عن الإسلام المرتدين، لم يقُل الله: سآتي بقوم يعبدونني، ولم يقُل سأخلُقُ من لا يعبد غيرى. بل قال: "...بقوم يحبهم ويحبونه".

ولكي لا أُطيل في معنى الحُب الذي لا يسع الكلام عنه مقالًا ولا سلسلة مقالات، أردتُ أن أطرحُ عليك سؤلًا.

أنت يا من تقرأُ لي الآن، ما موقعُكَ من حبيبك؟! كم تبلُغ المسافة بينكُما؟ متى حدث آخر اتصالٍ بينكما؟! متى تحدَّثَ إليك بـ(القرآن) أو تحدَّثَت إليه بـ(الصلاة)؟!.

أنت تعتقدُ أنك بمُجرد أن تتحدث بحديثٍ من قلبٍ مُتألِّم، تتحدثُ ولا يخرج منك صوتًا، تتحدث بأنين؛ بعد أن هزمتك الحياة، تخلى عنك الأقربون، تركك الأغلى، انشغل عنك الرفاق، وأنت لم تتعرض لله منذ فترة بما يحبُه من أعمال، تعتقدُ بعد ذلك أن حبيبُك ليس غاضبًا منك؟.

إن للمُحبين مسافات قلبية بينهم وبين بعضهم، فالأقرب منهم للآخر هو عنده بمنزلة أعلى، يُسمع أكثر، يُستجابُ له أسرع، يُجبر كسر قلبه أسرع، يجد في نفسه سعادة ورضا لا يشعر بهما إلا من ملئ الحُب قلبه.

فليس من أُشير له كمن أُخِذَ من يده حتى وصل، وليس من قرع الباب وانتظر أن يُفتح له كمن فتح الباب ودخل، وليس الداخل الجالس في المؤخرة كالجالس في المُستهل، وليس من يجلس في المُقدمة كمن اتُخِذَ صاحبُ سر، فأصبح محل السر وموضعه، وليس أحد كمن خرج من نفسه وصار عبدًا ربّانيًا، إن أقسم على الله أبرَّهُ الله، إن دعا أُجيب له، إن سأل أُعطِي، أحبَّ الله وأحبه الله حتى كان الله عينه التي يبصر بها، ويده التي يبطش بها.

جميعنا متطفلون على باب الرحمن، نرجوا منه نظرة لا نشقى بعدها أبدًا، نرجوا مقامًا رفيعًا، هذا المقام لن يصلَ إليه أحدًا بعبادة فقط، ولا باعمال فقط، بل بـ الحُـب، الحُب الذي جعل رابعة العدوية تعبدالله لا طمعًا في جنته، ولا خوفًا من ناره، ولكن تعبده وتتصل به لأنها تُحبُه؛ فنالت بذلك مقام المُحِب، فانظر من خلال سيرتها كيف كان الله معها، وغيرها الكثير من المُحبين.

مقام غالي جدًا، يتطلب منك أن تعمل لله في الفرح والرخاء، في المنشط والمكره، في الليل وبالنهار، حتى إذا نظر إليك المولى، فيُعيدُك من جديد، بقلبك الأول الذي اشتقتَ له، بفطرتك الاولى التي أحببتها في نفسك وغيرتها لك عوامل الحياة.

بماذا تتقربُ إلى الله، وكيف تعبدُه العبادة التي تجعلُ منك مُحبًَّا لله؟ كيف تبلغُ ذاك المقام العالي جدًا؟ هذا ما سأتحث عنه في مقالٍ آخر. وإلى أن نلتقي ابحث واجتهد فلعلي لا أكون موجودًا إلى أن أكتُ لك المقال القادم، وها أنت عرفت هدفك ووجهتك، فاسعى له بكُل ما أُتيتَ من قوة.

اسأل الله أن يجعلكم ممن يتبعون أحسن القول، واستغفر الله لي ولكم. والسلام.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الدولة الوطاسية (الوطاسيون) || تلخيص من كتاب: الاستقصا لأخبار المغرب الأقصى لشهاب الدين السلاوي

تاريخ الدولة الطاهرية | أول الدويلات المستقلة في الدولة العباسية.

تاريخ الأسكندرية وحضارتها فى العصر الإسلامي حتى الفتح العثماني || تلخيص لكتاب الدكتور السيد عبدالعزيز سالم