الله الوليّ || نظرة مُختلفة

 في الطفولة وأثناء دراستي الإبتدائية كنتُ كثير الشغب، كثير افتعال المشكلات وارتكاب المخالفات، وكان آخر حلٍ للمُعلمين بعد ان استنفذوا جميع حلولهم، هو أن يتم استدعاء ولي أمري.
الله الوليّ || نظرة مُختلفة

الحمدلله رب العالمين، والصلاة والسلام علي حبيبنا سيدنا محمد خاتم الانبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبة والتابعين.
شرعتُ منذ أول مقال في هذه السلسلة إلى لفت الأنظار إلى الجانب الآخر من جوانب أسماء الله تعالى، لما في ذلك من أهمية تفوق -من وجهة نظري- اهمية جانب الترهيب الذي سلكهُ الكثيرُ من الدُعاة.
فتكلمتُ عن الله طبيبنا، وتحدثتُ عن الله حبيبنا، واليوم بمشيئته أتكلم عن الله وليّ أمرنا.
ولكي أكونُ موضوعيَّا في السرد أودُّ أولًا أن أذكُر معنى كلمة (وليّ) وهي كلمة عربية جائت في القواميس بمعنى (القريب و الداني). ويُقال: فلان وليَ فُلان يعنى "أحبَّهُ".
وتلك المعلومة ليست بالجديدة علينا، فقد علمنا في المقال السابق أن العلاقة بين المؤمن الصحيح الإمان والقريب من الله هي علاقة حب.
ولذلك نشرع في الحديث عن الولاية، قال الله تعالى في كتابه العزيز لفظ الوليّ عدد (233 مرة)؛ فكان لابُد أن أقفُ مع هذا الإسم المُهم المُلهِم.
فالولي ليس فقط من يتولى أمرك! فقد يكون المتولي أمرك في الدنيا هو أب جاحد قاسي القلب، أو أُم ظالمة وهذا شاذ مُخالف للقاعدة، ولا يطلق عليهم لفظ الولي، إنما جُعل الولي وليًَّا لأنه يتولى أمرك بُحبٍ ولطف، والشرطُ الثاني هو أنك تُحبُّ وليَّك هذا.
إذا فسُلطان الولي عليك ليس فقط سلطانًا أبويًّا جبريًّا، ولكن الحب المتبادل أيضًا من الصفات التي يتضمنها معنى الولي.
إن المُدير عندما طلب استدعاء ولي أمري، لم يكن الهدف هو استخدام الترهيب، بل كان الهدف هو أنني بالفِطره أُحبه، وأسمعُ منه أفضل مما أسمع من غيره.
ولكن مع كُل مميزات الولي الدنيوي أن ولايتهُ عليك محدودة! لن يبقى وليَّك للأبد، ستكبُرُ ولن يتم استعداء ولي أمرك لتقويمك، ستنشغل عن وليك بالسفر، ستبعد عنه بالزواج والعمل، ستفترقان بالموت بعد فترة.
لذلك كان الله الولي! وليُّك الذي لا يبعد عنك فقد قال: "ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه، ونحنُ أقربُ إليه من حبل الوريد" [سورة: ق الآية 16].
كان الله الولي الذي لا يموت، فقال: "وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده وكفي به بذنوب عباده خبيرًا" [سورة الفرقان: الآية 58].
فهو الولي الحقيقي، الدائم، المتمتع بكل خصائص الولاية، المتوليك حق الولاية، يمتلك مزاياها ويتجلى وحاشاه عيوبها.
"الله ولي الذين آمنوا، يخرجهم من الظلمات إلى النور" [سورة البقرة: الآية 257].
والذين آمنوا هُنا لأن المؤمنين هم الذين يحبون الله، ويحبهم الله، فتأتي ولايته، ونصرتهم، وحمايته لهم.
يخرجهم من كل الظلمات بأشكالها (ضلام الفقر - ظلام الحُزن - ظلام الهم والنكد - ضلام الفِكر - ظلام الظن السيء) إلى النور بكُل أشكاله (نور الرضا - نور السعادة - نور الفرح - نور البصيرة - نور حسن الظن).
علِم الأنبياءُ ذلك -وهم خير خلق الله- الذين اصطفاهم الله، فرفضوا رفضًا تامًا أن يتزحزحوا عن ولاية الله لهم وولايتهم لله، فيذكر القرآن قول سيدنا محمد مستنكرًا: "قُل أغير الله أتخذُ وليًَّا" ؟؟!!. [سورة الانعام: الآية 14].
ودعا زكريا عليه السلام الله فقال: "فَهَبْ لِى مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا" [سورة مريم: الآية 5].
أنت والي أمرك الله! نعم. من كان له ولي أبُ فكيف له أن يحزن أو يخاف، فما بالكم بمن له ولي رب؟.
اعلم اخي المؤمن، تأكد حبيبي المُسلم أن الله هو وليك، يُحبك، يُدبِّرُ أمرك، يعمل ما في مصلحتك، وهو جل وعلا بنفسه يقول لنا إن تخلى عنكم الولي، إن ترككم النصير، إن تولى عنكم المُعين: "فاعلموا أن الله مولاكم نعم المولى ونعم النصير" [سورة الأنفال: الآية 40].
إلى متى ستظلُ بعيدًا عن وليّك؟ إلى متى تشُك في ولايته وحبه لك؟ "أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ"؟ [سورة الحديد: الآية 16] تأخرت على وليِّك وحبيبك كثيرًا فقُم والزم بابه.
أقول قولي هذا واستغفر الله لكم ولي، اللهم لا تجعل نصيبي من الدعوة إليك مجرد التذكير، اللهم لا تجعلنى جسرًا يعبر الناس به للجنة ثم يقذف به في النار، اللهم احسن خاتمتى، وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الدولة الوطاسية (الوطاسيون) || تلخيص من كتاب: الاستقصا لأخبار المغرب الأقصى لشهاب الدين السلاوي

تاريخ الدولة الطاهرية | أول الدويلات المستقلة في الدولة العباسية.

تاريخ الأسكندرية وحضارتها فى العصر الإسلامي حتى الفتح العثماني || تلخيص لكتاب الدكتور السيد عبدالعزيز سالم